[ترجمة مؤلفي تفسير الجلالين وتحديد ما فسره كل منهما]
قولنا: تفسير الجلالين، من هما الجلالان؟ ومن الأسبق منهما؟ الجلالان كلاهما من مصر.
لقد ألف هذا التفسير علمان مشهوران من أعلام الإسلام كل واحد من هذين الإمامين الجليلين لقبه جلال الدين، وهما: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المحلي، نسبة إلى المحلة الكبرى مدينة في مصر، المتوفى عام ٨٦٤ هجرية -يعني: سنة ١٤٥٩ ميلادية، في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وفي النصف الثامن من القرن التاسع الهجري - والإمام المحلي هو الذي فسر فاتحة الكتاب وحدها، ثم من أول سورة الكهف حتى آخر سورة الناس.
أما الإمام الآخر فهو الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر الأسيوطي أو السيوطي، بضم السين، نسبة إلى أسيوط أو سيوط بضم الهمزة والسين، إحدى مدن الجنوب في مصر، وتعرف الآن بأسيوط بفتح الهمزة، المتوفى سنة ٩١١ هجرية- الموافق سنة ١٥٠٥ ميلادية- وهو الذي فسر التتمة، فكمل ما لم يفسره الإمام المحلي من البقرة إلى الإسراء، وقد وهم صاحب (كشف الظنون) في نسبة هذا القسم إلى الجلال المحلي، فكثير من الناس يظن ما دام أن هذا تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، فيتوهم أن المحلي فسر من الفاتحة إلى الإسراء، والسيوطي كمل؛ لأن: المحلي فسر الفاتحة، فظن أنه واصل التفسير إلى الإسراء، لكن المحلي فسر الفاتحة فقط ثم فسر من الكهف إلى الناس، أما السيوطي فمن البقرة إلى الإسراء.
والإمام السيوطي رحمه الله تعالى وضع هذا التفسير وعمره اثنتان وعشرون سنة أو أقل منها بشهور، وذلك بعد وفاة الجلال المحلي بست سنين، وكتب كل هذا التفسير العظيم والدقيق دقة متناهية في أربعين يوماً! قال كنعان: لم يضع الجلالان رحمهما لله تعالى لهذا التفسير اسماً، بل عرف بين العلماء بتفسير الجلالين أو بالجلالين، وقد اعتمد الجلالان في تفسيرهما هذا على عدد من التفاسير، أشار إليها الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه بغية الوعاة في تراجم اللغويين والنحاة، عند ترجمته للإمام موفق الدين الموصلي، فقال: وله التفسير الكبير والصغير جود فيه الإعراب وحرر أنواع الوقوف، وأرسل منه نسخة إلى مكة والمدينة والقدس، قلت: وعليه اعتمد الشيخ جلال الدين المحلي في تفسيره، واعتمدت عليه أنا في تكملته مع الوجيز وتفسير البيضاوي وابن كثير.
ولم يكتب الجلال المحلي مقدمة ولا خاتمة للقسم الذي فسره، أما الجلال السيوطي فقد كتب مقدمة مختصرة في أول سورة البقرة، وكتب خاتمة للقسم الذي فسره، وقد نقلناها من حيث كانت في آخر تفسير سورة الإسراء إلى هنا في هذه المقدمة لإفساح المجال ثمة للتفسير.
قال السيوطي في خاتمة ما فسره: هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم الذي ألفه الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق جلال الدين المحلي الشافعي رضي الله عنه، وقد أفرغت فيه جهدي وبذلت فكري فيه، في نفائس أراها إن شاء الله تعالى تجزي، وألفته في مدة قدر ميعاد الكليم -أي: في أربعين يوماً-، وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم، وهو في الحقيقة مستفاد من الكتاب المكمل، وعليه في الآي المتشابهة الاعتماد والمعول، رحم الله امرأً نظر بعين الإنصاف إليه، ووقف فيه على خطأ فأطلعني عليه، وقد قلت: حمدت الله ربي إذ هداني لما أديت مع عجزي وضعفي فمن لي بالخطا فأرد عنه ومن لي بالقبول ولو بحرف.
قوله: (فمن لي بالخطأ فأرد عنه) يعني: من يبحث لي عن خطأ فينصحني وأرجع عنه.
قوله: (ومن لي بالقبول ولو بحرف) يعني: من يضمن لي أن يقبل الله مني حتى ولو حرفاً واحداً مما كتبت.
ثم قال: هذا لم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك؛ لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك، وعسى الله أن ينفع به نفعاً جماً -وفعلاً نفع الله به نفعاً جماً-، ويفتح به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وآذاناً صماً، وكأني بمن اعتاد المطولات وقد أضرب عن هذه التكملة وأصلها حتماً -يعني: أن بعض الناس سيعرض عن هذا التفسير؛ لأنه متعود على المطولات، مثل تفسير ابن جرير والقرطبي وغيرها من المطولات، فيصرفه عنه الحجم، دون أن يلتفت إلى المعاني العظيمة المركزة في هذا التفسير- فعدل إلى صريح العناد ولم يتوجه إلى دقائقها فهماً، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، رزقنا الله به هداية إلى سبيل الحق وتوفيقاً واطلاعاً على دقائق كلماته وتحقيقاً، وجعلنا به من الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.