[تفسير قوله تعالى: (إني توكلت على الله ربي وربكم)]
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:٥٦].
((إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)) أي: فلا تستطيعون أن تصلوا إلي بسوء؛ لتوكلي على الله.
((مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)) أي: مالك لها قادر عليها يصرفها كيف يشاء.
قال القاشاني: بيّن وجوب التوكل على الله وكونه حصناً حصيناً، أولاً: لأن ربوبيته شاملة لكل أحد: ((فإني توكلت على الله ربي وربكم))، أي: من يربي ويدبر أمر المربوب ويحفظه، ويقوم بأفعال الربوبية من التربية والتنمية والرعاية هو الله.
إذا قلنا: الأم تربي ولدها، فيلزم من ذلك أنها تحفظه وترعاه وتحميه من كل سوء، فكذلك شأن الرب بل هو أولى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠]، فمن يربي ويدبر أمر المربوب ويحفظه، فلا حاجة له إلى كلاءة غيره وحفظه، فهو يقول: إذا كان هو ربي فهو الذي يحفظني وحده، ولذلك أتوكل عليه وحده.
((مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا))، فكل ذي نفس تحت قهر الله عز وجل وسلطانه، أسير تحت تصرفه ومملكته وقدرته، عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره، لا حراك به بنفسه كالميت، فلا حاجة إلى الاحتراز منه.
والناصية هي منبت الشعر من مقدم الرأس، وقد تطلق على الشعر نفسه.
تسمية للحال باسم المحل، يقال: نصوت الرجل يعني: أخذت بناصيته، ويقال: ناصيته بيده أي: هو منقاد لها، والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة والتسلط.
((إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)): تعليل لما يدل عليه التوكل، من عدم قدرتهم على إضراره، أي: هو على طريق الحق والعدل في ملكه، فلا يسلطكم علي إذ لا يضيع عنده معتصم به ولا يفوته ظالم؛ لأنه تعالى مطلع على أمور العباد، مجاز لهم بالثواب والعقاب، كاف لمن اعتصم به كمن وقف على الجادة فحفظها ودفع ضرر السابلة بها، وهذا كقوه تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤].
والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه في قوله: ((إن ربي على صراط مستقيم)) ولم يقل في هذه المرة: إن ربي وربكم كما قال أولاً: ((إني توكلت على الله ربي وربكم)) هذا الاقتصار إما بطريق الاكتفاء لظهور المراد؛ لأنه واضح من السياق أنه يقصد ربي وربكم، أو للإشارة إلى أن اللطف والإعانة مخصوصة به دون هؤلاء القوم.