[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله)]
يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨].
قال ابن كثير: حمل ابن عباس هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب، وأنهم يؤتون أجرهم مرتين، كما في الآية التي في القصص: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) [القصص:٥٤]، وكما في حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل كتاب آمن بنبيه وآمن بي، فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مولاه، فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران) متفق عليه، فانظر إلى حث الإسلام على التأديب وعلى التعليم وعلى التربية، حتى الجارية نفسها أمر بتأديبها.
وهذا التفسير هو اختيار ابن جرير، فقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا))، المقصود بالآية مؤمنو أهل الكتاب.
وقوله: ((اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ)).
قال سعيد بن جبير: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى هذه الآية في حق هذه الأمة.
والظاهر أن لفظها أعم، وأن المقصود بها حث كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم على الثبات على الإيمان، والرسوخ فيه، والانصياع لأوامره.
ومنه ما حث عليه في الآيات قبلها من الإنفاق في سبيله، وسخاوة النفس فيه، وأن لهم في مقابل ذلك أجراً وافراً، كما قال في أول السورة: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:٧]، وآخر السورة فيه رجوع لأوائلها؛ لتذكير ما أمرت به وما سبق نزولها لأجله.
وقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}، الكفل: الحظ، وأصله ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط، والتثنية في مثله إما على حقيقتها أو هي كناية عن المضاعفة.
(ويجعل لكم نوراً) النور: هو ما يبصر من عمى الجهالة والضلالة، ويكشف الحق لقاصده، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:٢٩]، فكلما اتقيت الله سبحانه وتعالى فإنه ينور قلبك، ويعطيك القوة على التمييز بين الحق والباطل والهدى والضلال.
ومعنى الآية: إن تتقوا الله وتؤمنوا برسوله يؤتكم كفلين، ويجعل لكم كذا وكذا.