[تفسير قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم)]
يقول تبارك وتعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:٢٣].
((لِكَيْلا تَأْسَوْا))، يعني: كي لا تحزنوا.
((عَلَى مَا فَاتَكُمْ))، أي من عافية ورزق ونحوهما، فأي شيء يترتب على أنه فاتك شيء من الأرزاق أو الفسحة ونحو ذلك؟ فالإنسان لا يشتغل بالتحسر على هذا الفائت؛ لأن التحسر لن يعيده.
((وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ))، أي: لا تتبختروا بما آتاكم من نعم الدنيا، والمعنى: أعلمناكم بأنا قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير، فلا الحزن يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه.
قال القاسمي: أي: لتعلموا علماً يقينياً أن ليس لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراستكم فيما آتاكم مدخل ولا تأثير، ولا لعجزكم وإيمانكم وغفلتكم وقلة حيلتكم وعدم احترازكم فيما فاتكم مدخل، فلا تحزنوا على فوات خير ونزول شر، ولا تفرحوا بوصول خير وزوال شر؛ إذ كلها مقدرة.
والاحتجاج بالقدر لا يكون إلا في المصائب، فلا تقل: (قدر الله وما شاء فعل) إلا في المصائب التي لا يد منها، كما إذا ابتليت ببلاء أو بمرض أو بفقر، فإن كان هناك مصيبة قدرها الله عليك وامتحنك بها فلك أن تتعزى بالقدر، وتقول: هذا سبق في علم الله، وهذا قضاء سابق من الله سبحانه وتعالى.
أما في المعاصي فلا تقل: (قدر الله وما شاء فعل) إلا إذا علمت أن الله قد عفا عنك، وهذا لا يعلمه أحد إلا آدم، فآدم عليه السلام هو الذي عرف أن الله تاب عليه، كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:٣٧]، فموضوع خطيئة آدم انتهى، إذ قد تاب الله سبحانه وتعالى عليه، أما من عداه فإنه لا يدري ما الله صانع به، فالإنسان في المعاصي يظل على وجل وخوف واستغفار وطلب العفو من الله سبحانه وتعالى إلى أن يموت.
ففي المصائب لك أن تحتج بالقدر، لكن لا تحتج بالقدر في المعائب وفي الذنوب وفي التقصير، بل عليك أن تعاتب نفسك وتظل وجلاً خائفاً من مصيرك عند الله بسبب هذا الذنب.
وقوله: ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ))، أي: كل متبختر من شدة الفرح بما آتاه.
وقوله: ((فَخُورٍ))، أي: فخور على الناس بالنعمة التي أعطاه الله إياها؛ لعدم يقينه، ولبعده عن الحق بحب الدنيا واحتجابه بالظلمات عن النور.