[تفسير قوله تعالى:(الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة)]
سورة الحاقة هي السورة التاسعة والستون من سور القرآن الكريم، وهي سورة مكية، وآيها اثنان وخمسون آية.
قال تبارك وتعالى:{الْحَاقَّةُ}[الحاقة:١] أي: الساعة التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال، مثل قولهم: حق عليه الشيء إذا وجب.
والحاقة هي القيامة، وهذا اسم من أسماء يوم القيامة كما سميت بالقارعة ونحو ذلك من الأسماء.
ولماذا سميت القيامة بالحاقة؟ قيل: سميت بذلك؛ لأن الأمور تحق فيها.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها تكون من غير شك.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها أحقت بأقوام الجنة، وأحقت بأقوام النار.
وقيل: سميت بذلك؛ لأن فيها يصير كل إنسان حقيقاً بجزاء عمله.
وقيل: لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل، أي: تغلب كل محاق ومجادل في دين الله بالباطل، تقول: حاققته فحققته، يعني: غالبته فغلبته، والتحاق هو التخاصم، والاحتقاق الاختصام، وكذلك بالنسبة لكلية الحقوق، فهي كلية الاحتقاق يعني: الاختصام.
قوله تعالى:{مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة:٢] هذا من باب وضع الظاهر موضع المضمر، يعني: ما هي الحاقة؟ تفخيماً لشأنها وتعظيماً لهولها.
قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة:٣] قال بعضهم: من عوائد العرب في محاوراتهم اللطيفة إذا أرادوا تشويق المخاطب في معرفة شيء ودرايته أتوا بإجمال وتفصيل، فالإجمال مثل قوله تعالى:{الْحَاقَّةُ}، ثم أتى بتفصيل أكثر فقال:{مَا الْحَاقَّةُ}، ثم زاد فقال:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} أي: أي شيء هي؟! تأكيداً لتفخيم شأنها حتى كأنها خرجت عن دائرة علم المخاطب، يعني: لهولها وفخامتها صارت كأنها خالية عن أن يدرك المخاطب كنهها أو معناها أو ما اشتملت عليه من الأوصاف مما لم تبلغه دراية أحد من المخاطبين، ولم تصل إليه معرفة أحد من السامعين، ولا أدركه فهمه، وكيفما قدر حالها فهي وراء ذلك وأعظم، ومنه يعلم أن الاستفهام كناية عن أنها لا تعلم، ولا يصل إليها دراية دارٍ، ولا تبلغها الأبصار.