قال الله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:١١]، ما المراد بهذه النعمة؟ قيل: هي النبوة، وقيل: القرآن، وقيل: هي عامة في جميع الخيرات.
فالتحديث بنعمة الله يكون بشكرها وإظهار آثارها، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عليه ثياب رثة فسأله: ألك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال آتاني الله سبحانه وتعالى، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: من كان له مال، فليرى أثر نعمة الله عليه وكرامته)، فهذا تحديث فعلي بنعمة الله، وكذلك يشرع الحديث القولي إذا أمن الإنسان العجب، فيتحدث بنعمة الله تبارك وتعالى عليه.
أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد أوجب الله عليه التحدث بهذه النعم بشكرها وإظهار آثارها، وعلى المسلم أن يحرص على أن تقضي الحاجات من طريقه، وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها، فالغني مثلاً يظهر أثر النعمة عليه بحيث يتوجه الفقير إليه ويسأله.
وفي الآية تنبيه على أدب عظيم: وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها؛ حرصاً على التفضل والجود والتخلق بالكرم، وفراراً من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى، ومن عادة البخلاء أن يكتموا مالهم؛ لتقوم لهم الحجة في خفض أيديهم عن البذل، فلا تجدهم إلا شاكين من القل، أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله، ويجهرون بالحمد بما أفاض عليهم من رزقه، فالتحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين، فهذا هو معنى قوله تعالى:(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
ويشهد لذلك قول الله تعالى:(وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) فأنت عرفت في نفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء، وليس القصد في مجرد ذكر الثروة، فإن هذا يتنزه عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض، ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاوياً صلى الله عليه وسلم.
وقد يقال: إن المراد من هذه النعمة النبوة، ولكن سياق الآيات يدل على أن هذه الآية مقابلة لقوله:{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} فيقابلها قوله عز وجل هنا: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، فتكون النعمة بمعنى الغنى، ولو كانت بمعنى النبوة لكانت مقابلة لقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر).