للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رزق الله المجبى من كل مكان إلى مكة]

قوله تعالى: (وارزق أهله من الثمرات) هنا يذكر السيوطي كلاماً يحتاج إلى دليل، يقول: وقد فعل بنقل الطائف من الشام إليه كما قيل، وكان أقفر لا زرع فيه ولا ماء، والطائف بلد قريب من الحرم كان أقفر لا ماء فيه ولا زرع، كان منطقة بلقعاً، فنقلت الطائف من الشام إلى هذا المكان، وهذا يحتاج إلى دليل، والله تعالى أعلم.

ولكن هل نحن نحتاج إلى بينة في تفسير هذه الآية؟! والله إنها لمن أعلام النبوة! وقوله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص:٥٧] هذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى، ولا يكاد ينكرها أحد أبداً، اذهب إلى مكة تجد كل أسواق العالم موجودة هناك، كل الثمرات، كل الفواكه، ما شيء من الثمرات والأرزاق إلا ويجبى إلى هذ البلد مع أنه واد لا زرع فيه، حتى الزرع الذي يفتعلونه الآن ويصطنعونه تشعر أن الأرض تقول: هذا ليس لي، وما أطيق هذا، فالأرض تلك ليس من طبيعتها أن تقبل الزراعة، ولذلك فإنهم يتكلفون أموالاً طائلة في إرغام الزرع على أن يتواجد في تلك التربة عندهم، ومع ذلك يجبى إليه ثمرات كل شيء، ولا يعلم مكان فيه من الخيرات والبركات وسعة الرزق ما يوجد في بلد الله الحرام، وهذا أيضاً أثر إجابة دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام، فإن الله بالفعل رزق أهله من كل الثمرات، {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص:٥٧].

(وارزق أهله من الثمرات) هل كل أهله؟ لا، يقول تعالى: (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) فهذا بدل من (أهلها)، وخصهم بالدعاء لهم موافقة لقوله: (لا ينال عهدي الظالمين) فإبراهيم عليه السلام كما قال الله سبحانه وتعالى من قبل، لما قال له: (ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) يعني: الظالمون من ذريتك لن يكونوا أئمة في الدين، والمحسنون منهم سيكونون أئمة في الدين، فالمحسنون هم الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولذلك إبراهيم عليه السلام أبدل من قوله: (وارزق أهله من الثمرات) قال: ليسوا كل أهله، لكن أدخل في دعائه (من آمن منهم بالله واليوم والآخر) فخصهم بالدعاء كي يوافق قوله تعالى من قبل: (لا ينال عهدي الظالمين).

قال تعالى: (ومن كفر) يعني: أرزق هؤلاء الصالحين المحسنين من آمن بالله واليوم الآخر وسأرزق أيضاً من كفر، ماذا أفعل معه؟ (فأمتعه) إما بالتشديد أو بالتخفيف، يعني: فأمتعه في الدنيا فقط، (قليلاً) مدة حياته القليلة، (ثم أضطره إلى عذاب النار) يعني: ألجئه إلى عذاب النار، فلا يجد عنها محيصاً، (وبئس المصير) أي: بئس المرجع فيها.