للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم صحة قصة ثعلبة بن حاطب]

هنا قصة مشهورة ينسبونها إلى ثعلبة بن حاطب، وهي من القصص التي يعجب بها القصاص ويكثرون تردادها، وهي ما ينسب إلى ثعلبة بن حاطب أنه قال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً، قال: (ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه)، قال: والله لئن آتاني الله مالاً لأوتين كل ذي حق حقه، فدعا له فاتخذ غنماً؛ فنمت حتى ضاقت أزقة المدينة من كثرتها فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها -يعني: في البداية كان يشهد صلاة الجماعة، ثم بعدما يصلي يخرج إلى الغنم- ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة، فتنحى بها فكان يشهد الجمعة فقط، ثم يخرج إليها، ثم نمت فتنحى بها فترك الجمعة والجماعات، ثم أنزل الله على رسوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣]، فاستعمل على الصدقات رجلين وكتب لهما كتاباً، فأتيا ثعلبة فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقا إلى الناس، فإذا فرغتم فمرا بي، ففعلا فقال: ما هذه إلا أخت الجزية! فانطلقا، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:٧٥ - ٧٧].

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه، وفيه: أنه جاء فيما بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته، فقال له: (إن الله منعني أن أقبل منك)، فجعل التراب على رأسه، فقال: (هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني)، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، ثم إلى عمر وعثمان، ثم هلك في أيام عثمان.

وهذه القصة ليست صحيحة بأي حال من الأحوال، بل سندها ضعيف جداً كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.

قال الشهاب: مجيء ثعلبة وحثوه التراب ليس للتوبة من نفاقه، بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين.

وهذا التعليل مبني على صحة هذه القصة، لكن هناك نقاش تفصيلي في عدم صحة هذه القصة، وهناك رسالة مستقلة صنفها بعض طلبة العلم في إبطال هذا الحديث، فينصح بمراجعتها، ومما يبطل به هذه القصة: أنها -تزعم- أنها نزلت في رجل بدري، والرسول عليه السلام قال في أهل بدر: (وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ومعنى هذا: أن الله سبحانه وتعالى علم من أهل بدر أنهم كلما أحدث الواحد منهم ذنباً أحدث توبة، حتى يختم له بالتوبة ويغفر الله سبحانه وتعالى له.

وقيل: إن هذا الصحابي قد استشهد في غزوة أحد، فهذه القصة لا تصح بحال، وإن كان ذلك سيحزن كثير من القصاصين الذين يولعون بذكرها!