تفسير قوله تعالى:(أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور) إلى قوله: (إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير)
قال تعالى:{أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ}[العاديات:٩] أي: بعد هذا الاحتجاج ومخالفة العقل، أفلا يعلم بنور فطرته وقوة عقله، (إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ)، أي: بُعث وأُثير ما في القبور وأُخرج موتاها، {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}[العاديات:١٠]، أي: أُظهر وأُبرز ما في صدورهم ونفوسهم من أسرارهم ونيّاتهم المكتومة، مع ما فيها من خير أو شر.
قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}[العاديات:١١]، أي: عالم بأسرارهم وضمائرهم وأعمالهم، فيجازيهم عليها يومئذٍ، وهنا نلحظ تقديم الظرف، فلم يقل:(لخبير يومئذ) وإنما قال: (يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ)، إما لمكان نظم السجع ورعاية الفواصل، أو للتخفيف لوقوع علمه تعالى كناية عن معجزاته وإنما تكون يومئذٍ.
قال الرازي: قوله تعالى: (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)، خصّ هُنا أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح؛ لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح؛ ولذلك جعلها تعالى هي الأصل في الذم، فقال:{آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة:٢٨٣]، وهي كذلك الأصل في المدح كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال:٢].