[تفسير القرطبي لقوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)]
يقول القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) قال ابن عباس والحسن وقتادة: ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه.
وقال عكرمة: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه، فإذا استحسن شيئاً وهويه اتخذه إلها.
وقال سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر.
وقيل: أفرأيت من ينقاد لهواه ومعبوده؟ تعجيباً لذوي العقول من هذا الجهل.
وقال الحسن بن فضل: في هذه الآية تقديم وتأخير، والتقدير: أفرأيت من اتخذ هواه إلهه، أفرأيت من اتخذ هواه إلهه.
وقال الشعبي: إنما سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه.
والهوى يمكن أن يستعمل في غير الذنب، كما في الحديث: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك).
قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن عباس: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:١٧٦]، وقال تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨]، وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم:٢٩]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠]، وقال تعالى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦].
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
وعن أبي أمامة مرفوعاً: (ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى).
وتفسير القرطبي من الكتب التي تحتاج إلى تحقيق، خاصة في الأحاديث التي يوردها دون أن يحققها.
وعن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله).
وعنه صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فالمهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه والمنجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه، فإن كان عمله تبعاً لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان عمله تبعاً لعلمه فيومه يوم صالح.
وقال الأصمعي: سمعت رجلاً يقول: إن الهوان هو الهوى قلب اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا وسئل ابن المقفع عن الهوى فقال: هوان سرقت نونه فأخذه الشاعر فنظمه وقال: نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا يعني: الهوان يساوي الهوى.
وقال آخر: إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد كسبت هوانا وإذا هويت فقد تعبدك الهوى فاخضع لحِبِّك كائناً من كانا ولـ عبد الله بن المبارك: ومن البلاء وللبلاء علامة ألّا يرى لك عن هواك نزوع العبد عبد النفس في شهواتها والحر يشبع تارة ويجوع ولـ ابن جريج: إذا خالفتك النفس يوماً بشهوة وكان إليها للخلاف طريق فدعها وخالف ما هويت فإنما هواك عدو والخلاف صديق ولـ أبي عبيد الطوسي: والنفس إن أعطيتها مناها فاغرة نحو هواها فاها وقال أحمد بن أبي الحواري: مررت براهب فوجدته نحيفاً، فقلت له: أنت عليل؟ قال: نعم، قلت: مذ كم؟ قال: مذ عرفت نفسي! قلت: فتداو؟ قال: قد أعياني الدواء، وقد عزمت على الكي، قلت: وما الكي؟ قال: مخالفة الهوى.
قلت: لنتحفظ من التساهل في حكاية مثل هذه القصص عن الرهبان، فقد أغنانا الله سبحانه وتعالى بالوحي وبالآثار عن سلفنا الصالحين عن أن نحتاج إلى أن نأخذ من راهب يصدق فيه قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:٢ - ٣]، وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
وقال سهل بن عبد الله التستري: هواك داؤك؛ فإن خالفته فدواءك.
وقال وهب: إذا شككت في أمرين ولم تدر خيرهما؛ فانظر أبعدهما من هواك فائته.
وللعلماء في ذم الهوى ومخالفته كتب وأبواب، وحسبك بقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١].
ومن أشهر هذه الكتب: كتاب ذم الهوى لـ ابن الجوزي، ومن ذلك أيضاً الفصل الذي ختم به وكذلك الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين وهو فصل رائع في ذم الهوى وكيفية علاجه.
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: (وأضله الله على علم) أي: على علم قد علمه منه.
أي: قلنا من قبل: على علم سابق من الله أنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية.
وقيل: أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه.
وقال مقاتل: على علم منه أنه ضال، والمعنى متقارب.
يقول القرطبي رحمه الله: وهذه الآيات ترد على القدرية والإمامية ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد، إذ هي مصرحة بمنعهم من الهداية.
قوله: (وختم على سمعه وقلبه) قيل: إنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم، وقيل: إنه خارج مخرج الدعاء عليهم، (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) يعني: هذه الجمل دعائية، دعا بذلك عليهم.