لقد ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر فقال:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الملك:٢٢] هذا تمثيل للضالين والمهتدين.
والمكب: هو المتعثر الذي يخر على وجهه؛ لوعورة طريقه، واختلاف سطحه ارتفاعاً وانخفاضاً.
وأما الذي يمشي سوياً فهو القائم المعتدل السالم من التعثر؛ لاستواء طريقه واستقامة سطحه.
قال قتادة: يحشر الله الكافر مكباً على وجهه، والمؤمن يمشي سوياً.
وقال البيضاوي: والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين، والدينين بالمسلكين، يعني: الموحد يمشي على طريق الإسلام، والمشرك يمشي على طريق الكفران، ثم يقول: ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستحق أن يسمى طريقاً.
يعني: لم يقل الله تبارك وتعالى: أفمن يمشي مكباً على وجهه على طريق وعر فيه كذا وكذا من الآفات والحفر والارتفاع والانخفاض والتفاوت؛ لأن ما عليه الكافر من الضلال والانحراف لا يستحق أصلاً أن يوصف بأنه طريق؛ لأنه وهم وضلال، فاكتفى عن التعبير عن وعورة الطريق بوصف من يمشي عليه، وهذا ملمح مهم جداً من إعجاز القرآن الكريم وبلاغته، وهذا من عجائب القرآن الكريم، حيث ذكر المسلك في الثاني دون الأول، قال سبحانه:((أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى)) ثم قال: ((أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا)) أي: ليس منكباً مخراً على وجهه؟ لا، بل يمشي سوياً معتدلاً يرى الطريق ((عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) أي: على طريق واضح، في حين أنه لما وصف حال الكافر لم يثبت له الطريق، فكأن ما عليه الكافر لا يستحق أن يسمى طريقاً أو منهجاً، فأهمله واكتفى بالدلالة على وعورة الطريق بذكر صفة من يمشي عليه ويعاني من حزونته وصعوبته.