من البشريات للإمام العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: أن هذه الآية هي آخر آية في تفسيره المبارك أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، فقد وقف عند تفسير هذه الآية؛ لأنه أتى موسم الحج سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة وتسعين هجرية، فخرج من الموسم ثم رجع فمرض ومات بعد أيام قليلة من موسم الحج رحمه الله تعالى، فكانت آخر آية فسرها في كتابه المبارك هي هذه الآية التي تنتهي بقوله:((أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))؛ فلعل هذه علامة حسن خاتمة بإذن الله لهذا الإمام القرآني الفذ، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
ونظير ذلك أيضاً: أن تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى توقف عند قوله تبارك وتعالى في سورة يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف:١٠١].
وذات يوم جافاني النوم فأخذت ملزمة مقدمات سكب العبرات للموت والقبر والسكرات وقرأت مقدمة الشيخ محمد صفوت نور الدين، وكان مما قال فيها: شهدت أحد أعمامي وهو في موته يحتضر، وكان قد طال به المرض وكان يتأوه كثيراً، وقد أصيب بالاستسقاء، وكان من أول من دعا للسنة في البلدة التي كان يعيش فيها، وكان جهاده فيها رغم ضعفه وفقره جهاداً عظيماً متصلاً، فإذا به يقرأ قبل موته:{َيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ}[الروم:٤ - ٥] لا يتعداها ويكررها وهكذا، وقد ذهب عنه كل شكوى كان يشتكي بها، ثم أخذ ينادي على بعض من مات منذ عشرات السنين، وأخذ يردد كلمات قال فيها: فرح فرح فرح، ما هو هذا الكرم كله يا رب ويكررها.
كل ذلك وأنا أنظر إليه متعجباً وأقول في نفسي: سيفيق، فأسأله عن ذلك، لكن اتصل هذا بخروج روحه، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
فالشاهد من القصة: لما قرأت قوله: ثم أخذ يردد كلمات قال فيها: فرح فرح فرح، ما هو الكرم هذا كله يا رب، في نفس هذه اللحظة دق جرس التليفون فرفعت الهاتف فإذا به أحد الإخوة يخبرني بوفاة الشيخ محمد صفوت رحمه الله تعالى رحمة واسعة، والشيخ له جهد مشكور في الدفاع عن السنة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة.
وكان بعدما عاد من العمرة بأيام قليلة أخذ أولاده جميعاً وأهله وذهب لزيارة بعض أهله، وبعد ما صلى هناك صلاة المغرب إذا به تحصل له حادثة في الطريق فيموت فيها رحمه الله تعالى؛ وكانت زوجته رأت قبل وفاته أنه يزف إلى عروس جميلة، فلعلها من الحور العين إن شاء الله تعالى.
كذلك الرجل الذي كان يقرأ سورة يس، فعندما وصل إلى قوله تعالى: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:٢٦ - ٢٧]، فاضت روحه.