للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيراد كلام ابن جرير حول هذه الآيات، وما رجح في تفسيرها]

قال ابن جرير: (وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) في حال صحتهم وشبابهم، ((فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)) بعد هرمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل).

والسورة فيها الإشارة إلى المراحل التي يمر بها ابن آدم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:٤ - ٥].

فهذا الكلام جاء في سياق الاحتجاج بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت؛ لأن الآية بعد إقامة هذه الحجة والدليل الواضح على البعث والنشور لا يجرؤ إنسان على أن يكذب بالدين، وهو هنا: الجزاء، لذا قال في آخر السورة: ((فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ)) أي: من الذي يقوى ويتجاسر ويجرؤ على أن يكذب بالبعث والنشور بعد هذه الحجة، وقد احتج الله عليهم بما لا يقدرون على دفعه مما يعاينونه ويحسونه.

يقول الإمام ابن جرير رحمه الله: قوله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:٥] فيها احتمالين: الأول: إما (رددناه أسفل سافلين) بأن يُردّ إلى أرذل العمر والكبر.

الثاني: أن يدخل النار في أسفل سافلين.

وسياق الآيات هنا سياق إقامة الحجة عليهم بقدرة الله على البعث والنشور، وأنت إذا أردت أن تقيم الحجة على الخصم، فإنك تأتي له بكلام لا يمكن أن ينكره أو يدفعه، فأنت لو قلت له: إن معنى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:٧]، أي: فما يكذبك بعد هذه الحجة -وهي: أن العصاة والكفرة يردون إلى أسفل السافلين من جهنم؟ فمن الممكن أن يقول لك الخصم: أنا أنكر النار أصلاً، ولا يوجد شيء اسمه نار! فالله سبحانه وتعالى هنا في سياق إقامة الحجة بمراحل الخلق لإثبات القدرة على البعث والنشور، أتى بشيء لا يستطيعون أن ينكروه، فهو يصلح أن يكون حجة على البعث والنشور.

يقول الإمام ابن جرير: وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب في ذلك؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه ابن آدم وتصريفه في الأحوال، احتجاجاً بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت، ألا ترى أنه يقول: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:٧] يعني: بعد هذه الحجج، ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني بما كانوا له منكرين، وإنما الحجة على كل قوم بما لا يقدرون على دفعه، مما يعاينونه ويحسونه، أو يقرون به وإن لم يكونوا له محسين، وإذا كان ذلك كذلك، وكان القوم للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة منكرين، وكانوا لأهل الهَرَم والخرف من بعد الشباب والجلد شاهدين، عُلم أنه إنما احتجّ عليهم بما كانوا له معاينين من تصريفه خلقه، ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد، إلى الهرم والضعف وفناء العمر وحدوث الخرف.