يعني: وأنزلنا إليك (أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، ويلاحظ هنا مقابلة الوحي بالهوى، وهذا شيء واقع في القرآن الكريم، فضد الوحي لا يكون إلا الهوى، وأمثلته كثيرة، كقوله تبارك وتعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}[القصص:٥٠]، وقوله تبارك وتعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤]، وقوله تعالى:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى}[ص:٢٦] فما يقابل الشرع لا يكون إلا أهواء، فهذا نهي عن اتباع أهواء هؤلاء القوم.
قوله:((وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ)) يعني: احذرهم لئلا يفتنوك، أي: يضلوك (عن بعض ما أنزل الله إليك).
(فإن تولوا) يعني: إن تولوا عن الحكم المنزل وأرادوا غيره ((فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ)) يعني: بالعقوبة في الدنيا ((بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ)) أي: التي أتوها ومنها التولي، ويجازيهم على جميعها في الأخرى (وإن كثيراً من الناس لفاسقون).