[حث الإسلام على الزواج]
أما موضوع الترغيب في الزواج والحث عليه فهذا مما علم بالضرورة من دين الإسلام، فالإسلام اختص بالحث على الزواج.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي)؛ لأن النكاح يعف عن الزنا، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن النبي عليه السلام عليهما الجنة، فقال: (من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الزواج، وكان يقرأ لمن يطلب إباحة التبتل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:٨٧]، وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى).
وأما التبتل فقد أتى عثمان بن مضعون رضي الله عنه يستأذن الرسول عليه السلام في أن يتبتل، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك فيَّ أسوة؟! فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده).
فالتعبد بترك النكاح لا أصل له في الإسلام، فلم تعد رابطة الزوجية دناءة بهيمية، فالإسلام أتى نوره وبدد تلك الظلمات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تسامى الإسلام بتلك الرابطة، فجعلها ذريعة لواجبات كثيرة رفع الإسلام قدرها.
يقول الإمام الفقيه الحنفي كمال الدين بن الهمام رحمه الله تعالى: ومن تأمل ما يشتمل عليه النكاح من تهذيب للأخلاق، وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع.
فالإنسان يجاهد نفسه ويحصل تعديل لسلوكه وأخلاقه السيئة.
يقول: وتربية الولد، والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها، كالنفقة على الزوجة وعلى الأولاد، والنفقة على الأقارب والمستضعفين، وإعفاف الحرم -يعني: إعفاف الزوجة- وإعفاف نفسه، ودفع الفتن عنه وعنهن، ودفع التقتير عنهن بحبسهن لكفايتهن مئونة الخروج -يعني: لأجل طلب الرزق- ثم الاشتغال بتأديب نفسه وتأهلها للعبودية، ولتكون هي أيضاً سبباً لتأهيل غيرها، وأمرها بالصلاة، فإن هذه الفرائض كثيرة لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي.
يعني: أن الزواج أفضل من التخلي للعبادات المستحبة والنافلة، ولو خير رجل بأن يتزوج رغم ما في الزواج من عناء ومشقة، وبين أنه ينفرد في صومعة يؤدي الفرائض، ويعتزل ليتقرب إلى الله بالنوافل فأيهما أفضل؟
الجواب
لا جدال بأن الزواج أفضل، هكذا هي نظرة الإسلام للزواج، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (من أماثل أعمالكم إتيان الحلال)، يعني: من أفضل أعمالكم إتيان الحلال.
وقد يتعجب القارئ أو المستمع كما تعجب الصحابة رضي الله عنهم من قبل عندما قال ناس منهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور -أي الأغنياء- بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان فيها وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له فيها أجر).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر في ضمن وصية جامعة له: (ولك في جماعك زوجتك أجر، قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات، أكنت تحتسبه؟ قال: قلت: نعم، قال: فأنت خلقته؟ قال: بل الله خلقه، قال: أفأنت هديته؟ قال: بل الله هداه؟ قال: فأنت ترزقه؟ قال: بل الله كان يرزقه، قال: كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته، ولك أجر).
بل تسامى الإسلام بهذه الرابطة، حيث أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى استصحاب نية طلب الأولاد، والتسمية، وحض على ذلك؛ لما فيه من الخير الكثير، فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك اليوم لم يضره الشيطان أبداً).
ونحن نختصر الكلام في هذا الموضع وإن كان يحتاج إلى تفصيل؛ لكن هذه الإشارة العابرة تعكس مدى نظرة الإسلام للزواج وتكريم المرأة بصورة لا تترك لعاقل أي شك في أن هذا هو أعظم تكريم للإنسان، وأعظم تكريم للرجل، وأعظم تكريم للمرأة، بخلاف هذه الحضارة البهيمية التي تريد أن تسوي لا بين الرجل والمرأة كما يزعمون؛ ولكن بين الإنسان والحيوان، بل حتى الحيوانات قد تكون أفضل، وأحوال القوم لا تخفى على مسلم.