تفسير قوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً)
قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩١].
أي: أنه لا يخلو حال من أحوالهم عن ذكر الله سبحانه وتعالى، لا كما يفهمه الضالون من الصوفية أن معنى قوله: (يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) أنهم يرقصون في أثناء الذكر، فتارة يقفون وتارة يقعدون وتارة يضطجعون، وهذه الحركات التي يفعلها هؤلاء الجهلة، إلحاد في فهم آيات الله سبحانه وتعالى.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحواله، فالمراد تعميم الذكر للأوقات، وعدم الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى في لحظة من اللحظات ولا في حال من الأحوال، بل المسلم يذكر الله عز وجل دائماً.
((ويتفكرون في خلق السموات والأرض)) أي: في إنشائهما بهذه الأجرام العظام، وما فيهما من عجائب المصنوعات وغرائب المبتدعات؛ ليدلهم ذلك على كمال قدرة الصانع سبحانه وتعالى، فيعلموا أن لهما خالقاً قادراً مدبراً حكيماً؛ لأن عظم آثاره وأفعاله تدل على عظم خالقها تبارك وتعالى.
إنما يكون الرسام أو المصور أو الممثل ممدوحاً عند القوم، بأنه بارع ومتقن عندما يقترب من محاكاة ما يسمونه هم بالطبيعة.
إذاً خلق الله سبحانه وتعالى هو أكمل الصور، والناس كأنهم يتعرفون بهذا ضمناً على عظيم صنع الله سبحانه؛ وذلك عندما يحاول الواحد في عمله أن يحاكي ما خلق الله تبارك وتعالى.
فهذا الذي صنع الطائرة استفاد في تصميمها من محاكاة ما خلق الله سبحانه وتعالى من الطيور، وكيف تتم عملية الطيران مثلاً؟! فالشاهد أن خلق الله سبحانه وتعالى هو أكمل المخلوقات وأبدعها.
معروف أن رسم ذوات الأرواح محرم، لكن أنا أضرب مثالاً: إذا كان الرسام يمدح بأنه قدير على الرسم والفنان على الفن والممثل على التمثيل، ويستدل على عظمته بعظمة ما صنع، فكل ما صنع هؤلاء إنما هو مجرد محاكاة لما خلق الله تبارك وتعالى، أفلا تدل أفعال الله سبحانه وتعالى في السماوات والأرض على عظمة خالقها؟! فعظم آثار الله سبحانه وتعالى وأفعاله تدل على عظمته سبحانه: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد وقال الشيخ أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة.
إنها نعمة التفكر، فهو ينظر في كل شيء فيجد نعمة الله، فيشكر لله عز وجل، وكذلك على المؤمن أن يعتبر وأن يتفكر، وأنه يخصص وقتاً للتأمل والتفكر والتدبر.
وهنا خصص التفكر بالخلق كما في هذه الآية: ((ويتفكرون في خلق السموات والأرض)) لم يقل: ويتفكرون في الله، وإنما يتفكرون فيما خلق الله؛ لأننا منهيون عن التفكر في ذات الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يمكن أن نصل إلى كنه ذاته تبارك وتعالى وصفاته، وإنما نتفكر في المخلوقات كما ندبنا إلى ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الحديث: (لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق).