(مثل الذين) أي: صفة نفقات الذين (ينفقون أموالهم في سبيل الله) أي: طاعته، (كمثل حبة أنبتت) يعني: حبة ألقيت في الأرض ثم أنبتت ساقاً، وكانت الساق على سبع شعب، وخرج من كل شعبة سنبلة فيها مائة حبة، فصارت الحبة الواحدة سبعمائة بمضاعفة الله تبارك وتعالى لها.
لا شك أن هذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة؛ لأن فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة، ومصداقه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه؛ حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه.
الفلو: هو المهر الصغير، وقيل: هو الفطيم من أولاد ذوات الحوافر، ولا شك أن قوله سبحانه وتعالى:((كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)) أقوى وأبلغ وأعظم وأعجز، وهل هناك إعجاز أكثر من أن تقول: كمثل حبة صارت سبعمائة؟ لا، لماذا؟ لأن هذا التفصيل يبين أن الله ينميها ويضاعفها لصاحبها شيئاً فشيئاً ويربيها؛ فكذلك أيضاً الذي ينفق ماله في سبيل الله تبارك وتعالى ينميها الله له، فتضاعف بسبعمائة ضعف، وفي الحديث عن خريم بن فاتك الأسدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف).
((وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)) يعني: يضاعف أكثر من ذلك لمن يشاء، وقد وردت هذه المضاعفة في السنة في عدة نصوص منها قوله صلى الله عليه وسلم:(كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)، وقال الله عز وجل:(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، متفق عليه، ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:(جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) رواه الإمام أحمد ومسلم.
فبلا شك أن الإنسان الذي عنده يقين بوعد الله سبحانه وتعالى وفي خبر الله لا يفرط في هذا الباب من أبواب الخير، ولا يفرط فيه إلا إنسان مغبون محروم.
وإذا كنا نصدق بمثل هذه الآيات فلا ينبغي أن يكون سلوكنا على ما نحن عليه من الشح عن النفقة في سبيل الله، وانظر كيف يتهافت الناس على الأرباح إذا وجدت شركة تجارية تعطي ربحاً عشرين بالمائة والذي سيزيد فالناس إليه أزيد، ويهرع الناس إليه من كل مكان، وإذا كان سيضاعفها إلى ٢٠٠% مثلاً، فكيف سيكون حال الناس؟ هم على يقين من الدنيا، ويرغبون في المضاعفة، فإذا صدّقنا الوعد منه سبحانه وتعالى بهذه المضاعفة، وأن الصدقة الواحدة بسبعمائة صدقة؛ فلا يفرط في هذا شخص يوقن به إلا مغبون أو ضعيف اليقين بما وعد الله سبحانه وتعالى؛ فلذلك مثل هذه الآيات تغسل قلوبنا من الشح الذي يصيبها بتأثير الدنيا، القرآن ينظف قلبك باستمرار إذا ربطت نفسك به، فختم القرآن وتلاوة القرآن وسماع القرآن يطهر عقلك ومفاهيمك من هذا الدرن الذي يصيبها من جراء هذه البيئة الملوثة، القرآن ينقي ويطهر قلوبنا ويعلينا إلى القيم والموازين الصحيحة.