[تفسير قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)]
قال تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩].
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) أي: تقاتلوا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا).
قال ابن جرير: أي: أصلحوا بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل.
(فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى).
أي: فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله لها وعليها، وتعدت ما جعل الله عدلاً بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) أي: تعتدي وتأبى الإجابة إلى حكم الله (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه.
قوله: (فَإِنْ فَاءَتْ) أي: رجعت الباغية بعد قتالكم إياها إلى الرضا بحكم الله في كتابه (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) أي: بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلاً بين خلقه (وَأَقْسِطُوا) أي: اعدلوا في كل ما تأتون وتذرون (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: سيجازيهم أحسن الجزاء.
وقول الله تبارك وتعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) يقال: قسط، إذا جار وظلم، والفعل هنا (وَأَقْسِطُوا) من (أقسط) إذا أزال الجور والظلم، يقال: إذا جاء القِسط زال القَسط.
(إذا جاء القِسط) يعني: العدل، (زال القسَط) يعني: الجور.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فيجازيهم أحسن الجزاء.
قال القاشاني: الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا، والركون إلى الهوى، والانجذاب إلى الجهة السفلية، والتوجه إلى المطالب الجزئية، والإصلاح إنما يكون من نزول العدالة في النفس التي هي ظل المحبة والوحدة، فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما على تقدير بغيهما، والقتال مع المظلومة على تقدير بغي إحداهما حتى ترجع، لكون الباغية مضادة للحق دافعة له.
وقوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) الطائفة: تطلق على الواحد فأكثر.