[تفسير قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)]
قال تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} [البقرة:١٨١] يعني: من بدل الإيصاء من شاهد أو وصي.
(بعد ما سمعه) يعني: بعد ما علمه.
{فَإِنَّمَا إِثْمُهُ} [البقرة:١٨١] أي: إثم الإيصاء المبدل.
{عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة:١٨١]، السياق كان يقتضي أن يقال: فإنما إثمه عليهم، أي: على الذين سبق ذكرهم في قوله: ((فَمَنْ بَدَّلَهُ))، لكنه أقام الظاهر مقام المضمر إشارة إلى جريمتهم بالتبديل، وأنها التي تستوجب عقوبتهم كما سيأتي.
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} [البقرة:١٨١] لقول الموصي.
{عَلِيمٌ} [البقرة:١٨١] بفعل الوصي فمجاز عليه، ويترتب على أن الله سميع عليم أنه سيجازيه.
{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [البقرة:١٨٢] أحياناً يطلق الخوف على العلم، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء:٣] أي: إن علمتم، كذلك هنا: (فمن خاف) يعني: توقع أو علم، تقول مثلاً: أخاف أن تمطر السماء، يعني: أتوقع وأظن أن تمطر، فالتوقع والظن الغالب الجاري مجرى العلم يطلق عليه الخوف.
(فمن خاف من مُوْصٍ) أو (من مُوَصٍّ) قراءتان.
(جنفاً) يعني: ميلاً عن الحق خطأً، فالجنف هو الميل عن الحق عن طريق الخطأ لا العمد.
(أو إثماً) بأن تعمد ذلك بالزيادة على الثلث أو تخصيص غني مثلاً.
(فأصلح بينهم) يعني: أصلح بين الوصي والموصى له بالأمر بالعدل، وهذا الإصلاح يترتب عليه تبديل الوصية؛ لأن الوصي مال عن الحق خطأ أو أَثِم بتعمد الجور والظلم في الوصية.
(فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم) بين الوصي والموصى له عن طريق إقامة العدل بينهم.
{فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:١٨٢] أي: لا يأثم بهذا التبديل، بل هذا من فروض الكفاية، فيجب على المسلمين أن يتصدوا لمن يوصي وصية جائرة بأن يصلح بينهم بإقامة العدل وهو شرع الله سبحانه وتعالى.
(فأصلح بينهم فلا إثم عليه) أي: في ذلك التبديل لماذا؟ لأنه بدل الباطل بالحق الذي يوافق شرع الله، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٨٢].