[تفسير قوله تعالى: (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق)]
ثم احتج عليهم أيضاً إفحاماً إثر إفحام بقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:٣٥].
((قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ)) أي: يهدي إلى الحق بوجه من الوجوه كبعثة الرسل، وإيتاء العقل، وتمكين النظر في آيات الكون، والتوفيق للتدبر، فالله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الحق من وجوه عديدة، فهو الذي بعث الرسل ليهدوا ويوضحوا ويبينوا، وهو الذي أعطاهم العقل؛ كي يستعملوه في الاهتداء إلى التوحيد، وهو الذي بث لهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم؛ كي يعملوا عقولهم ويتفكروا في هذه الآيات، ويستدلوا بها على توحيد الله سبحانه وتعالى، وهو الذي وفقهم وخلق فيهم القدرة؛ كي يتدبروا في هذه الآيات ويصلوا إلى توحيده عز وجل.
فهل من شركائكم من عنده القدرة على الهداية إلى الحق كما فعل الله سبحانه وتعالى بهذه الوجوه وغيرها؟! ((قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ)) وهو الله سبحانه وتعالى: ((أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ)) أي: يعبد ويطاع.
((أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى)) أم من لا يهتدي إلا أن يهديه الله سبحانه وتعالى، نزل منزلة من يعقل لإفحامهم، بمعنى: هل الله سبحانه وتعالى أحق أن يعبد ويطاع، أم هذه الأوثان التي لا يمكن لها أن تهتدي إلا أن يهديها الله؟! فكيف يتصور أن مثل هذه الآلهة تعبد من دون الله، وهي عاجزة عن هداية نفسها فضلاً عن معبوديها؟! وهي أحجار لا تسمع ولا تملك نفعاً ولا ضراً.
وقيل معناه: أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إلا أن ينقل؛ لأنه لا يستطيع أن يتحرك حتى يأتي من يحركه وينقله، أو لا يهتدي ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيواناً مكلفاً فيهديه.
وإذا كان هذا شأن المخلوق الجماد الضعيف غير القادر، فالإنسان نفسه الذي أكمل من هذا الجماد.
أما هذا الإله الصنم من الخشب أو الحجر فهو يحتاج إلى أن يترقى أولاً إلى مستوى من يعبده، أي: يترقى من كونه خشباً أو حجراً إلى أن يصبح كائناً حياً تنفخ فيه الروح، ثم يكون مكلفاً عاقلاً كبني آدم، ثم يخلق الله سبحانه وتعالى فيه إرادة الهداية، فإنه: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧].
بهذه الكيفية يتضح لنا أن العابدين أفضل من الأنداد والأوثان المعبودة؛ لأنهم أحياء لهم أرواح ولهم عقول ولا يهتدون إلا أن يهديهم الله سبحانه وتعالى.
وقد قرئ: ((أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى)) وقرئ ((أمن لا يَهدِي إلا أن يهدى)) والعرب تقول: يهدِّي بمعنى: يهتدي، يقال: هديته فهدي أي: اهتدى.
(فما لكم) مبتدأ وخبر، والاستفهام للإنكار والتعجب.
أي: أي شيء لكم باتخاذ هؤلاء العاجزين عن هداية أنفسهم فضلاً عن هداية غيرهم شركاء؟! ((كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) مستأنف أي: كيف تحكمون بالباطل حيث تزعمون أنهم أنداد لله.