قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: وقوله في هذه الآية الكريمة: (لينذر بأساً شديداً) هذه اللام متعلقة بقوله تعالى: (أنزل)، يعني:(أنزل على عبده الكتاب لينذر).
وقيل: هي متعلقة بقوله: (قيماً)، والأول هو الظاهر، أما الإنذار فهو الإعلام المقترن بتخويف وتهديد، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذار، والإنذار يتعدى إلى مفعولين، كما في قوله تعالى:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}[الليل:١٤]؛ لأن المفعول الأول هو ضمير:(كم).
وفي أول هذه السورة الكريمة كرر تعالى الإنذار، فحذف في الموضع الأول مفعول الإنذار الأول، وحذف في الثاني المفعول الثاني، فكان المذكور دليلاً على المحذوف في الموضعين، وتقدير المفعول الأول: لينذر الذين كفروا بأساً شديداً، وتقدير المفعول الثاني المحذوف في الموضع الثاني: وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً بأساً شديداً.
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى أن القرآن العظيم تخويف وتهديد للكافرين، وبشارة للمؤمنين المتقين؛ إذ قال في تخويف الكفرة به:{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} وقال: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}.
وفي بشارة المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً بينه قوله جل وعلا:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}[مريم:٩٧]، وفي قوله:{آلمص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:١ - ٢].
أما البأس الشديد الذي أنذرهم الله إياه فهو العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، والبشارة الخبر بما يسر، لكن العرب قد تطلق البشارة على الخبر بما يسوء أحياناً، ومنه قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الجاثية:٨] ومنه قول الشاعر: وبشرتني يا سعد أن أحبتي جفوني وقالوا الود موعده الحشر يعني: أخبرتني بما يسوءني وأن أحبتي جفوني.
وقول الآخر: يبشرني الغراب ببين أهلي فقلت له ثكلتك من بشير إذاً: إطلاق البشارة على الإخبار بما يسوء أسلوب من أساليب اللغة العربية، وهذا عند الشنقيطي مجاز مرسل، وهو من أساليب اللغة العربية، ويسميه البلاغيون استعارة عنادية، ويقسمونها إلى تهكمية وتلميحية كما هو معروف في محله، والشنقيطي كان من فطاحل البلاغة، وقد تتلمذ عليه الشيخ ابن باز في البلاغة.