قال شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله: أي: لقد صدق الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا يخافون أهل الشرك، مقصراً بعضهم رأسه ومحلقاً بعضهم.
ثم روى عن مجاهد أنه قال: أري بالحديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين يعني: الرسول عليه السلام أري هذه الرؤيا وهو في الحديبية أنه يدخل مكة هو وأصحابه محلقين، ورؤيا الأنبياء حق، فقال أصحابه حين نحر بالحديبية: أين رؤيا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟! وعن ابن زيد: قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رءوسكم ومقصرين) ولم يقل: ذلك العام، فلما نزل بالحديبية طعن المنافقون في ذلك فقالوا: أين رؤياك؟! فهذه الرواية تذكر أن المنافقين هم الذين قالوا: أين رؤياك؟ فقال الله تعالى:((لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ)) يعني: كأن الله سبحانه وتعالى يرد على هؤلاء الذين قالوا: أين رؤياك؟ بهذه الآية:((لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق)) يعني: إني لم أر أنكم تدخلونها هذا العام، فهو رأى في المنام أنه وأصحابه يدخلون مكة بالصفة المذكورة في الآية، ولكن لم ينص على السنة التي يدخلون فيها مكة، ولم يقل: إنه يدخلها هذا العام أو في هذه الغزوة غزوة الحديبية.
((لقد صدق الله رسوله الرؤيا)) الرؤيا: منصوب بنزع الخافض، أي: صدقه في رؤياه، أي: حقق صدقها عنده كما هو عادة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولم يجعلها أضغاث أحلام.