للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القراءات في سورة الهمزة]

أما بالنسبة للقراءات في هذه السورة، فقد قرأ الجمهور: (ويل لكل همزة لمزة) كما هي رواية حفص؛ وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج: (ويل لكل همزة لمزة) بسكون الميم فيهما.

قرأ الجماعة أيضاً: (الذي جمع مالاً وعدده)، (الذي جمع) فعل مخفف الميم، وشددها الحسن وابن عامر وحمزة والكسائي على التكثير، واختار أبو عبيد تشديد الميم لقوله تعالى: (وعدده) فهو أوفق به.

وقال الطبري: أما قوله: (الذي جمع مالاً) فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان، يعني: كلاهما قراءة صحيحة (الذي جمع) أو (الذي جمع) لأنهما قراءتان معروفتان عند قرأة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقرأ الحسن والكلبي ونصر بن عاصم وأبو العالية: (الذي جمع مالاً وعدده) أي: قرأ الموضعين بالتخفيف، فأظهروا هذا التبعيض فقالوا في قوله: (الذي جمع مالاً وعدده) قالوا: العطف هنا على المال، أي: جمع المال ثم جعل (وعدده) أي: عدد هذا المال.

قال الطبري تعليقاً على قراءة (وعدده): (وقد ذكر عن بعض المتقدمين بإسناد غير ثابت أنه قرأه (جمع مالاً وعدده) بتخفيف الدال، بمعنى جمع مالاً وجمع عشيرته وعدده، وهذه القراءة لا القراءة بها، بخلافها قراءة الأمصار وخروجها عما عليه الحجة مجمعةً في ذلك).

فالمقصود: أن القراءة بالتشديد والتخفيف في ميم (جمع) (الذي جمع) أو (جمع مالاً وعدده) وجهاً واحداً.

قوله: (كلا لينبذن) قرأ الحسن ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن بالتثنية (كلا لينبذان) أي: لينبذن هو وماله؛ وعن الحسن أيضاً (كلا لينبذنه) يعني لينبذن ماله، وعنه أيضاً (كلا لننبذنه) أي: بدون العظمة وهاء النصب ونون التوكيد (لننبذنه) على أنه أخبر الله تعالى عن نفسه، وأنه ينبذ صاحب المال ويلقيه في الحطمة، وعن الحسن أيضاً (لينبذن) بضم الذال على أن المراد الهمزة واللمزة والذي جمع مالاً وكأن على هذا المجموع كله لينبذن كلهم في الحطمة، وقرأ زيد بن علي: (لينبذن في الحاطمة * وما أدراك ما الحاطمة).

وقال الطبري في تفسير في قوله تعالى: (إنها عليهم مؤصدة) بالهمز؛ قال: (مؤصدة يعني: مطبقة وهي تهمز، ولا تهمز وقد قرئتا جميعاً) يعني ممكن تقرأ (مؤصدة) أو (موصدة).

وليس معنى هذا أننا في الصلاة نجمع بين القراءتين في وقت واحد، وإن بدأت بقراءة حفص عن عاصم تستمر فيها، لكن لا تجمع في المجلس الواحد بين قراءتين مختلفتين كما يفعل بعض القراء؛ لأن هذا من البدع.

قوله: (في عمد ممددة) اختار أبو عبيد (عمد) بفتحتين، وكذلك أبو حاتم، اعتباراً بقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:٢]؛ وأجمعوا على فتحها، فهو قال: بما أنهم أجمعوا في سورة الرعد على فتح كلمة (عمد) فكذلك هنا تقرأ على مثالها.

وفي قراءة ابن مسعود: (إنها عليهم مؤصدة * بعمد ممددة) وقراءة حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: (في عمد ممددة) جمع عمود في حاله، فقرأ هارون عن أبي عمر بضم العين وسكون الميم (في عُمد ممددة) لكن قراءة الجمهور بالفتح: (في عمد ممددة) وقال الطبري: (قرأته عامة قراء المدينة والبصرة (في عمد ممددة) بالفتح، وقرأ عامة قراء الكوفة (في عمد ممددة) بالضم.

والقول في ذلك عندنا: أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحد منهما علماء من القراء، ولغتان صحيحتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

لكن لو كان في صلاة جماعة والإمام يقرأ مستمراً على قراء حفص عن عاصم ثم خالف وقرأ بقراءة أخرى حتى ولو لم يقصد، لكن في هذه الحالة لا تفتح عليه؛ لأن هذا لا يعتبر خطأً، فمادام أن القراءة التي قرأ بها الإمام هي أحد أوجه القراءة الصحيحة فلا تنكر عليه، ولا تفتح عليه في الصلاة.