قال تعالى:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفتح:١٤] أي: أن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، وإنما ابتلاهم بالتكليف ليثيب من آمن ويعاقب من كفر وعصى.
(وكان الله غفوراً رحيماً) وفي تقديم المغفرة والتذييل لكونه تعالى غفوراً في صيغة المبالغة، وضم رحيماً إليه الدال على المبالغة أيضاً دون التذييل بما يفيد كونه سبحانه معذباً، مما يدل على سبق الرحمة للعذاب والغضب.
كذلك قوله تعالى:(ولله ملك السموات والأرض) بدأ بالمغفرة؛ لأن المغفرة أحب إلى الله سبحانه وتعالى:(يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء).
ولم يقل: وكان الله عزيزاً حكيماً أو: من الكافرين منتقماً وإنما ختم بقوله: (وكان الله غفوراً رحيماً) إيماءً إلى ما ثبت في الحديث من أن رحمة الله تسبق غضبه عز وجل.
وفي الحديث:(كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي).
قال الألوسي: والآية على ما قال أبو حيان: لترجية أولئك المنافقين بعض الترجية إذا آمنوا حقيقة.
يعني: هذا يفتح لهم باب الرجاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفتح:١٣ - ١٤]، فهذا فتح لباب الرجاء ليصححوا إيمانهم حتى يغفر الله سبحانه وتعالى لهم.
وقيل: بل الآية لحسم أطماعهم الفارغة في استغفاره صلى الله عليه وآله وسلم لهم.