تفسير قوله تعالى: (إن جهنم كانت مرصاداً جزاء وفاقاً)
قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلْطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:٢١ - ٢٦].
قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} أي: موضع رصد، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤] أي: إن جهنم معدة مترصدة تتطلع لمن يأتي، منتظرة الجزاء والحساب، يقال: أرصده إذا تتبعه وترقبه، فكذلك جهنم فهي معدة مترقبة تتطلع لمن يأتي.
و (مرصاداً) صيغة مبالغة كما تقول: معصار، أي كثير العصر.
قوله: (إن جهنم كانت مرصاداً) أي: يكثر منها انتظار الكفار.
وقيل: يرصد خزنتها من كان يكفر بها وبالمعاد، وهذا على أن (مرصاداً) اسم مكان، أي: الموضع الذي يرصد خزنة جهنم ويترقبون من كان يكذب بها وباليعاد.
{لِلْطَّاغِينَ مَآباً} أي للذين طغوا في الدنيا بالظلم، أو في دينه بالكفر، فتجاوزوا حدود الله استكباراً على ربهم.
فمعنى: (لِلْطَّاغِينَ مَآباً) أي: منزلاً ومرجعاً يصيرون إليه.
{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} جمع حقب، والحقب هي الدهور المتتابعة إلى ما لا نهاية لها كقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:٥٧] وكقول متمم بن نويرة وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً)) أي: غوثاً وراحة.
وبرداً قيل: هو النوم لأنه يبرد العصب، ومن كلامهم منع البرد البرد، يعني: منع الهواء البارد النوم.
قال الله تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر:٣٦] والنوم أخو الموت، فهم أيضاً لا ينامون لأن النوم مصدر راحة فهم يمنعون من ذلك، وقيل البرد هو الهواء البارد وهو القر، وعن ابن عباس: (البرد الشراب المستلذ) يطلق عليه الشراب كما قال الشاعر: أماني من ليلى حسان كأنها سقتني بها ليلى على ظمأ بردا يعني: شراباً.
منى إن تكُن حقاً تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا {إِلاَّ حَمِيماً} أي: إلا ماء حاراً في منتهى غليانه.
{وَغَسَّاقاً} أي: صديداً، وهو ما يخرج من جلودهم يجتمع في حياض فيسقونه والعياذ بالله.
{جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:٢٦] أي: جوزوا بذلك جزاء موافقاً لما اكتسبوه من الأعمال، وقدموه من العقائد والأقوال.