[عدم دلالة قوله تعالى:(ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم) على وقوع المعاصي من الأنبياء]
كذلك قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران:١٢٨]، ثبت في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج رأسه؛ فجعل يمسح الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله تعالى؟! فأنزل الله تعالى: ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران:١٢٨])، يعني: لا تقل: كيف يفلحون، {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
قال القرطبي: قال علماؤنا: قوله عليه السلام: (كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم)، فيه استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به، فيستبعد كيف يفلح أمثال هؤلاء الذين عاملوا نبيهم هذه المعاملة، وقوله تعالى:((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ))، تقريب لما استبعده، وإقناع في إسلامهم، ولما أقنع في ذلك قال عليه الصلاة والسلام:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وقد آمن منهم فعلاً كثير مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وها نحن نترضى عنهم إلى آخر الزمان، وقد أخرج البخاري عن ابن عمر (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر ورفع رأسه من الركوع: اللهم ربنا ولك الحمد في الركعة الأخيرة ثم قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً،، فأنزل الله عز وجل:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}).