[اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين]
ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله: ((وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))، أي: أن متاع الدنيا مشترك بين المؤمنين والكافرين، لكن الآخرة ليست مشتركة: ((وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ))، فالآخرة خاصة بالمتقين، وهذا المعنى جاء موضحاً في غير موضع، كقوله تعالى في سورة الأعراف: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:٣٢].
فقوله: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: مشتركة في الحياة الدنيا بين المؤمنين والكافرين، ويدل على هذا الاشتراك صدر الآية: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ))، فهنا امتنان على العباد بهذه النعم التي أطلق أيديهم فيها، وأنعم عليهم بها.
ثم هناك أمر مهم جداً، وهو أن في آية الزخرف ما يدل على هذا الاشتراك وهو كلمة (لولا) في قوله: ((وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ)).
؛ لأن (لولا) حرف امتناع لوجود، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))، ثم يأتي العلماء والمفسرون ويقولون: هي مشتركة بين المؤمنين وبين الكفار في الحياة الدنيا، فلابد أن يعرف الإنسان ما الدليل على هذا التفسير، والدليل هو أن كلمة: ((َلَوْلا)) حرف امتناع لوجود، والذي امتنع هو أن يقصر الله الدنيا على الكفار، ويوسع عليهم فيها وحدهم، هذا هو الممتنع.
إذاً: هي ليست مقصورة عليهم؛ لأن هذا ممتنع بسبب وجود كراهة أن يصير الناس جميعاً أمة واحدة.
وكذلك تفسير هذه الآية هنا في سورة الزخرف: ((وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))، أي: أن متاع الدنيا مشترك بينهم وبين الكفار لكن التمتع في الآخرة خاص بالمؤمنين؛ لأنه قال: ((وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)).
وقال في آية الأعراف: ((خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، أي: خالصة لهم دون غيرهم، ولا يشاركهم فيها أحد.
يقول: فقوله في آية الأعراف هذه: ((قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا، وذلك الاشتراك دل عليه حرف الامتناع للوجود الذي هو (لولا) في قوله هنا: ((وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)).
أي: امتناع تخصيص الكفار بنعيم الدنيا ومتاعها، فهو ممتنع بهذا الدليل.
قال: وخصوص طيبات الآخرة بالمؤمنين منصوص عليه في آية الأعراف بقوله: ((خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وهو الذي أوضحه في آية الزخرف بقوله: ((وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)).
وجميع المؤمنين يدخلون في الجملة في لفظ (المتقين)؛ لأن كل مؤمن اتقى على الأقل الشرك بالله، فيصدق عليه أنه من المتقين.