((أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض)) أي: لم يكونوا يعجزونه تعالى أن يعاقبهم في الدنيا، فالله سبحانه وتعالى إذا لم يعجل لهم العقوبة في الدنيا، فليس مرد ذلك إلى عجزه عنهم، وليس مرد ذلك إلى أنهم يفوتونه إن أراد معاقبتهم.
((وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ)) أي: ولم يحل دون عقابهم وجود أولياء يمنعونهم من عقاب الله، ويحمونهم من عذابه.
((يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ)) أي: هؤلاء يضاعف لهم العذاب.
((مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ)) أي: لتصاميهم عن الحق وبغضهم له.
((وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ)) لتعاميهم عن آيات الله وإعراضهم عنها غاية الإعراض، كما قال تعالى:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:١٠] هذا يدل على أن المقصود بالسمعِ السمعُ الذي ينتفع به في الوصول إلى الحق، كذلك البصر، أما مجرد حاسة السمع دون عقل ودون فهم، فهذه صفة العجماوات والبهائم، كما قال تبارك وتعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}[البقرة:١٧١]، كالبقرة أو الجاموسة أو الحيوان إذا وقفت أمامه تتلو عليه قصيدة أو كتابة، فهو يسمع الحروف؛ لكن لا يفقه معنى الكلمات، فهذا هو حال الكافر.
ولذلك إذا استحضرنا هذا المعنى فلا نستغرب إذا وجدنا الكافر في غاية من العتو والعناد والجحود، مع وضوح آيات الله سبحانه وتعالى؛ لأن هناك حائلاً وضعه الله سبحانه وتعالى على قلبه، قال عز وجل:{أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤]، فهذا القفل نحن لا ندري كيفيته، وليس شرطاً أن يكون مثل الذي نضعه على الأبواب، لكن هو نوع من القفل الله أعلم بكيفيته وبشكله، وهذا القفل يوضع على القلب فلا يدخله الإيمان ولا يخرج منه الكفر والعياذ بالله، فهذه الحقيقة هي التي تمنعهم من قبول الحق.
ومن أدلة قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته أن نجد من يكفر بالحق مع وضوحه، فهؤلاء يرون آيات الله لكن لا تنفذ إلى قلوبهم، فلذلك قال هنا:{أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}[هود:٢٠]، وقال تبارك وتعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ}[النحل:٨٨].