[تفسير قوله تعالى: (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه لننظر كيف تعملون)]
قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:١٢ - ١٤].
((وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا)) أي: لكشفه وإزالته.
وإعراب قوله: ((لِجَنْبِهِ)) حال، أي حال كونه مضطجعاً على جنبه.
((أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ)).
((فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ)) مضى على طريقته وسيرته الأولى، ((مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى)) كشف ((ضُرٍّ مَسَّهُ))، وفيقدر هنا المضاف وهو: كشف.
((كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) أي: من الإعراض عن الذكر واتباع الشهوات.
والآية سيقت احتجاجاً على المشركين بما جبلوا عليه كغيرهم من الالتجاء إليه تعالى عند الشدائد، علماً بأنه لا يكشفها إلا هو، ليطرحوا عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وفي هذا تذكير لهم، أي: كم مر بكم من أزمة ومن كارثة فضل ما تدعون من دونه، ونسيتم كل ما تعبدونه من دون الله، وأخلصتم العبادة لله عز وجل وحده، ثم إذا كشف الضر عنكم وتيقنتم أنه الإله الأحد الذي لا يعبد سواه، ولا يكشف الضر سواه، انقلبتم على أعقابكم.
وفيها نعي على سوء منقلبهم إثر كشف كرباتهم، وتحريم من مثل صنيعهم.
ولقد ذكرهم تعالى بعظيم قدرته مما وصل إليهم من نبأ الأقدمين ليتقوه وذلك بقوله سبحانه: ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)) أي: ظلموا بالتكذيب والكفر ((وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)) أي: فقرر عليهم الحجة من وجوه كثيرة.
((وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا)) أي: بتلك البينات ولا بغيرها، فجازاهم بالإهلاك المعروف فيهم ((كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)).
((ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) [يونس:١٤].
الخطاب هنا للذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، أي: استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكناهم، ((لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) من خير أو شر، فنعاملكم حسب عملكم.