((ذَلِكَ)) أي: المذكور من أمر زكريا ومريم عليهما السلام: ((مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ))، أي: من أخبار ما غاب عنك.
((نُوحِيهِ إِلَيْكَ)) يا محمد عليه الصلاة والسلام، يعني: أنه ليس هناك سبيل لمعرفة هذا الغيب إلا الوحي، فهذه من علامات صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إخباره عما كان من قبل ولم يشهده، والإتيان في ذلك بما هو مهيمن على كل ما خالفه، فبعث النبي عليه الصلاة والسلام لأجل حكم كثيرة منها: أن يبين لهؤلاء اليهود والنصارى من بني إسرائيل ما اختلفوا فيه من شأن المسيح عليه السلام، حتى يأتي بالقول الفصل في كل من تنازعوا فيه، فالقرآن حاكم على ما جاء قبله ومخبر بالصدق في ذلك، فهذا كقوله تعالى:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ نادينا) [القصص:٤٤]، وكقوله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ}[القصص:٤٦]، وكقوله في قصة يوسف عليه السلام:{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}[يوسف:١٠٢] وقوله: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}[هود:٤٩]، فهذه إشارة إلى أن مصدر هذه الأخبار كلها الوحي لا غير.
((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ)) أي: في الماء يقترعون ليظهر لهم ((أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ))، أي: أيهم يضمها إليه وأيهم يربيها.
قال العلماء: هذه الآية أصل في جواز القرعة عند التنازع.
((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ))، أي: في كفالتها، وكما ذكرنا أنهم يختصمون تنافساً في حيازة هذا الشرف، لا تدافعاً كما زعم بعض الناس.