إن الجنتين اللتين توصفان الآن هنا أعلى من الأخريين، فلما تتأمل ستجد أن هاتين الجنتين هما للمقربين، أما الأخريين فقال الله عنهما:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:٦٢]، وهما لأصحاب اليمين، فنلاحظ هنا أن الجنتين الأوليين أفضل في كل شيء، فهنا قال:((فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ)) وهناك قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:٦٦] والجري أفضل من النضخ.
كذلك قال الله تبارك وتعالى في هاتين الجنتين الأوليين:((فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)) فعم جميع أنواع الفاكهة، وهناك قال:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن:٦٨] وهذا أقل، وهنا قال:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}[الرحمن:٥٤] وفي الأخريين قال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:٧٦] والعبقري: الطنافس، ولا شك أن الديباج أعلى من العبقري، والرفرف هي الوسائد، فلا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من الوسائد، وقال في الأوليين:{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:٥٨] وقال في الأخريين: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن:٧٠]، وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان.
وقال في الأوليين:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}[الرحمن:٤٨]، وقال في الأخريين:{مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:٦٤] أي خضراوان كأنهما من شدة الخضرة سوداوان.
فوصف الأوليين بكثرة الأغصان ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ))، ووصف الأخريين بالخضرة فقط، ولعل ما لم يذكره الله سبحانه وتعالى من التفاوت بين الجنتين أكثر مما ذكر.