[الأمارات التي يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم]
هناك علامات وأمارات يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أمهات الأدلة على صدق بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
أول شيء منها: الصفات الخَلقية والخلقية لصاحب الرسالة.
الثاني: آثاره في العالم والوجود.
الثالث: المعجزات.
الرابع: النبوءات.
الخامس: البشارات.
فهذه أمهات الأدلة التي يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والموضوع كبير، لكن باختصار شديد: أولاً: الصفات الخلقية، فالأنبياء يصطفيهم الله سبحانه وتعالى من أشرف وأكرم وأعلى أنواع البشر في جميع الصفات من الحسب والنسب، وجمال الصورة، وسلامة الأعضاء، والخلو من العاهات أو النقص أو أي شيء منفر، والأخلاق، ففي كل شيء من الصفات البشرية يكون الأنبياء مختصين من بين سائر البشر بصفات لا يشركهم فيها غيرهم، ربما نجد شخصاً يختص بصفة الكرم، أو آخر يختص بالحلم، أو أو أو كذا من الصفات، لكن أن تجتمع الصفات كلها كاملة في شخص غير الأنبياء فلا كما قال الشاعر: فغاية العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم فالرسول عليه الصلاة والسلام اجتمعت فيه الفضائل والكمالات البشرية بصورة لا توجد في غيره من البشر عليه الصلاة والسلام.
إذاً: أول دليل هو أن الأنبياء لهم خصائص وصفات لا توجد مجتمعة في أكمل صورة إلا في الأنبياء، فمتى وجدت في شخص فهو نبي من أنبياء الله.
الأمر الثاني: موضوع الآثار، فالله سبحانه وتعالى يجعل للأنبياء آثاراً وبصمات يتركونها على البشرية لا يمكن أن تتولد لغيرهم من البشر، فآثار النبي الصادق الحق الذي يبعثه الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تلتبس بآثار رجل من المصلحين أو أهل الخير أو كذا أو كذا وإنما يكون لهم آثار واضحة، ولرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم الحظ الأوفر على الإطلاق من هذه الآثار، كيف لا وهو قد بعث رحمة للعالمين، وأرسل للناس كافة صلى الله عليه وسلم؟! فهذا شيء بدهي يقر به حتى الكفار، فهم يقرون أنه لا يوجد أحد في تاريخ البشرية كله ترك بصمات وآثاراً على البشرية مثلما أكرم الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآثار.
وهذه الآثار لا تقتصر على نزول الوحي، وتعليم الشريعة للأمة، وتربية الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس.
فهذه أوضح الآثار المباشرة التي كانت في حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن كل ما يوجد من بعد النبي عليه الصلاة السلام من الخير الذي اقتدي به فيه فهو في ميزان حسنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني: أنت كل ما تفعله من أعمال صالحة فسوف ينال نفس الثواب مثلك تماماً الرسول عليه السلام؛ لأنه هو الذي علمك هذا الخير، أي مؤمن إلى أن تقوم الساعة يفعل من الخير اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين أجمعين هو في ميزان حسناته صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما وجد من الخير حتى بعد بعثته فهو من آثار بعثته الشريفة، ولذلك المسيح عليه السلام أخبر أصحابه بأن هناك أنبياء كذبة يدعون النبوة، سوف يأتون من بعده فقال له الحواريون: (كيف نعرفهم يا روح الله؟! قال: من ثمارهم تعرفونهم) يعني: من الآثار التي يتركونها تعرفونهم، والعقل وحده يقطع أنه لا يمكن أن يكون نبياً كاذباً يدعي النبوة ثم يتركه الله سبحانه وتعالى يطبع آثاره على البشرية بهذه الصورة، ويفتح عليه الفتح تلو الفتح، ويؤيده بالمعجزات تلو المعجزات، فلابد أن يكون صادقاً من عند الله سبحانه وتعالى.
فالشاهد: أننا نعلم صدق نبوة محمد صلى عليه وسلم بآثاره في كل العباد والمجاهدين والبلاد التي فتحت حتى بعد وفاته عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، فكل الخير الذي يوجد بسبب اتباع سنته والاهتداء بهديه هو من آثار بعثته، فعدل القضاة المسلمين في كل التاريخ كعدل عمر بن عبد العزيز أو عدل غيره من الأئمة والخلفاء الراشدين كـ محمود زنكي أو جهاد صلاح الدين وجهاد العلماء والأئمة كـ قطز وبيبرس هو في ميزان رسول الله عليه السلام، وهو أثر من آثار بعثته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: الفتح أعم من أن يكون الفتح المتعلق بفتح مكة أو بغيره، وإنما يدخل فيه كل ما كان من آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الأمر الثالث: البشارات، وهي: النصوص التي توجد في الكتب السابقة من قبلنا التي تبشر ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخبر بصفته، وهذا ما ستأتي الإشارة إليه في آخر السورة إن شاء الله تعالى في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح:٢٩] يعني: هكذا بالضبط وصفوا في التوراة قبل أن يخلقوا: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح:٢٩] إلى آخره، فهذا من البشارات.
الأمر الرابع: المعجزات: وهي خوارق العادات التي تقترن بادعاء النبوة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الحظ الأعظم على الإطلاق بين جميع الرسل من هذه المعجزات، وأعظمها على الإطلاق معجزته الخالدة الباقية وهي القرآن الكريم، الذي ما زال حتى الآن ينبض بالحياة وبالأدلة والبراهين على حقائق هذا الدين القويم، ويوم بعد يوم ينضم إلى قافلة الإيمان أناس من الكفار بسبب هداية القرآن الكريم، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إنه ما من نبي أرسله الله إلا أوتي ما على مثله آمن البشر -معجزة يراها قومه المعاصرون له- وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحي إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) لأن الرسول عليه السلام معجزته لم تكن معجزة حدثت ثم انقضت كعصا موسى، أو إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله، وإنما معجزته هي هذا القرآن الكريم، فهي معجزة باقية.
وأقص عليكم قصة عابرة عن إحدى الشخصيات المرموقة التي فتح الله سبحانه وتعالى عليها منذ سنوات بالإسلام، فهذا دكتور جراحة مشهور في فرنسا يدعى مورسي بكاري هذا الجراح الكبير الفرنسي نشأ في عائلة متدينة بالتدين النصراني، وشديدة التمسك به، فلما بدأ يقرأ في الكتب المقدسة عند النصارى -وهي العهد القديم والعهد الجديد- بدأ -بحكم خلفيته العلمية الحديثة- يلاحظ وجود تناقض بين بعض القضايا العلمية أو الجغرافية المذكورة في ثنايا كتابهم المقدس عندهم، فلفت ذلك نظره، وضايقه الأمر كثيراً، فقرر أن يجمع جميع الكتب التي أصلها سماوي ويعمل دراسة مفصلة، ويقارن بين القرآن والتوراة والإنجيل الموجودان الآن المحرفان، فالذي فعله أنه قام بجمع النصوص التي تتعلق بالقضايا العلمية الحديثة مثل كروية الأرض تشريح النبات وغيرها من الأمور التي تتعلق بالعلوم الحديثة، فخرجت له مجموعة بيانات كبيرة جداً جداً من آيات القرآن الكريم، عشرات الآيات استخرجها تنبئ بأنها تتعامل مع حقائق علمية كثيرة جداً، ثم استخرج من العهد القديم والعهد الجديد أشياء كانت قليلة للغاية بالنسبة للقرآن الكريم، ولا تكاد من حيث العدد تذكر، ثم إن الذي فيها أشياء غير مطابقة للواقع على طول الخط، بل متعارضة تماماً مع الحقائق العلمية الحسية! فاستمرت الدراسة في عدد كبير من الآيات ولم يجد أي تعارض على الإطلاق في نص واحد من القرآن الكريم مع أي حقيقة علمية، بل فوجئ بأن القرآن يحوي حقائق علمية مما هو متفق عليه حديثاً.
فانتهى إلى نتيجة ومحصلة معينة ولكن قال: إما أن هذا القرآن هو كلام الله حقاً، وإما أن المؤلف -يقصد الرسول عليه السلام- عندما كتبه كان محيطاً إحاطة كاملة وفي غاية الدقة لأحدث ما وصل إليه العلم في العصر الحديث! وهذا التضاد هراء، ولا يمكن أن يقع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعلم بشري يأتي بهذه الأخبار، فهذا مستحيل، فلم يبق إلا احتمال واحد وهو أن الذي أوحى إلى النبي عليه السلام هذا الكتاب إنما هو خالق هذا الكون، وخالق هذه البرية؛ لأن قوانين الطبيعة وهذه السنن وجدت منذ أن خلق الله هذا الكون، وبقيت بلايين السنين غير مكتتبة، واكتشف الآن جزء يسير منها، لكن قوانين الله تعمل منذ أن خلق الله هذا الكون، فهم يكتشفون ويفرحون جداً باكتشافهم وبما عندهم من العلم.
الشاهد أنه انتهى من عملية المقارنة بإعلان إسلامه، وعائلته النصرانية المتعصبة صدمت صدمة شديدة بإسلامه، وكانت المصيبة الأشد أنه سوف يقوم بدعاية كبيرة جداً للإسلام في كل العالم الغربي؛ لأن مثل هذه الشخصية المرموقة عندهم يكتب هذا الكتاب وهو من عائلة متدينة جداً ومتمسكة بالنصرانية أمر خطير، فانزعجوا جداً من هذا الكتاب الذي كاد أن يفرغ من تأليفه، فماذا فعلوا؟ فعلوا شيئاً عادياً عندهم في الغرب وليس بمشكلة -لا تستغربوا-، كتبوا إعلاناً في إحدى الجرائد عندهم في فرنسا: مطلوب لص محترف لمهمة خاصة، وهذا شيء عادي عندهم، ولا توجد أي مشكلة فيه أبداً: مطلوب لص محترف لمهمة خاصة، بحيث يتصل بهم بطريقة لا يكتشفها ابنهم مورسي بكاري، وهم الذين طلبوا هذا، فالمهم وصلهم لص محترف وقالوا له: إن المطلوب أن هذا الشخص -ابنهم- تذهب إلى أمام بيته في مكان معين وترصد مواعيده وقت خروجه ودخوله، فمتى ما يكون غير موجود في البيت تستطيع أن تدخل من المكان الفلاني، وتكسر الباب الفلاني، وهناك درج معين يترك فيه أشياء، فخذ كل محتويات هذا الدرج، ولم يبينوا له أنهم بالذات يقصدون الكتاب الذي ألفه لكن قالوا: أحضر لنا كل المحتويات في درجه.
المهم أفلح اللص في أن يصل إلى الدرج، وأخذ الأشياء ثم قدم لهم كل شيء ما عدا مخطوطة الكتاب، وظن أنه ليس معقولاً أن يكون الكتاب مهماً بالنسبة لهم، وعكف اللص الظريف على قراءة المخطوطة حتى فرغ منها تماماً، ومن شدة إعجابه وانبهاره لما فيها من الحقائق أشهر اللص نفسه إسلامه وأعلنه، وذهب إلى مورسي بكاري نفسه وسلمه المخطوطة، وكان هو قد حزن حزناً ش