[تفسير: (وهو شهيد) وذكر الخلاف فيه]
قوله: ((وهو شهيد)) أي: شهيد قلبه حينما يسمع بأذنه، وقلبه حاضر حتى يعي ما يسمعه.
وجاء في التفسير أن المقصود بقوله: ((وهو شهيد)) أهل الكتاب الذين عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي حكاه ابن عطية عن قتادة.
وذكر أن شهيداً بمعنى شاهد، أي: مخبر.
وقال صاحب الكشاف: ((لمن كان له قلب)) أي: قلب واع؛ لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له، وإلقاء السمع الإصغاء.
((وهو شهيد)) أي: حاضر بفطنته؛ لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب، أو هو مؤمن شاهد على صحته وأنه وحي من الله، وهو بعض الشهداء، كما في قوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣].
اختلف في الشهيد على أربعة أقوال: أحدها: أنه من المشاهدة وهي الحضور.
وهذا أصح الأقوال، ولا يليق بالآية غيره، وذلك كما في الحديث: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا) فـ (شاهدنا) معناها: حاضرنا.
والثاني: أنه شهيد من الشهادة.
وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه شاهد على صحة ما معه من الإيقان.
والثاني: أنه شاهد من الشهداء على الناس يوم القيامة.
والثالث: أنها شهادة من الله عنده على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علمه من الكتب المنزلة.
والصواب القول الأول بأنه من المشاهدة، فإن قوله: ((وهو شهيد)) جملة حالية، والواو فيها واو الحال، أي: ألقى السمع في هذه الحال.
وهذا يقتضي أن يكون حال إلقائه السمع شهيداً، فإذاً لابد أن تكون الشهادة بمعنى المشاهدة والحضور.
ولو كان المراد به الشهادة في الآخرة أو في الدنيا لما كان لتقييدها بإلقاء السمع معنى إذ يصير معنى الآية: إن في ذلك لآية لمن كان له قلب أو ألقى السمع حال كونه شاهداً بما معه في التوراة، أو حال كونه شاهداً يوم القيامة.
ولا ريب أن هذا ليس هو المراد بالآية.
وأيضاً فالآية عامة في كل من له قلب أو ألقى السمع، فكيف يدعى تخصيصها بمؤمني أهل الكتاب؟ وأيضاً فالسورة مكية، والخطاب فيها لا يجوز أن يختص بأهل الكتاب، ولاسيما مثل هذا الخطاب الذي علق فيه حصول مضمون الآية ومقصودها بالقلب الواعي وإلقاء السمع.