((وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ)) الكلام هنا عن أصحاب الجنة بعدما استقروا في منازلهم في الجنة، ((أَصْحَابَ النَّارِ)) توبيخاً وتحقيراً لهم ((أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا))، حيث نلنا هذه المراتب العالية.
((فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا))، يعني: من تنزيلكم أسفل سافلين لاستكباركم على الآيات والرسل ((قَالُوا نَعَمْ))، يعني: وجدناه حقاً.
((فَأَذَّنَ)) أي: نادى ((مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ)) أي: بين الفريقين ليسمعهم، زيادة في شماتة أحد الفريقين، وزيادة في ندامة الآخر.
((أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)) من هم هؤلاء الظالمون؟ ((الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)) أي: يمنعون أنفسهم وغيرهم عن دينه القويم الذي بينه على ألسنة رسله لمعرفته وعمارة الدارين، ((الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا)) [الأعراف:٤٥] أي: يبغون لها زيغاً وميلاً عما هي عليه حتى لا يتبعها أحد.
((وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ)) أي: وهم بلقاء الله في الدار الآخرة جاحدون لا يؤمنون به، فلهذا لا يبالون فيأتون المنكر من القول والعمل؛ لأنهم لا يرجون حساباً عليه ولا عقاباً فهم شر الناس.
وقد سبق أن بينا حكمة وصف الكافرين بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، لأن الإيمان بالآخرة ينعكس في سلوك المؤمن، أما إذا كان لا يؤمن بالآخرة فلن يخشى عقاباً ولن يرجو ثواباً، وما أحسن ما صدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى أحد مصنفاته، حيث كان يهدي في الصفحات الأولى من الكتاب إلى والده، فيقول ما معناه: إلى أبي الذي علمني أن أقول دائماً لمن يظلمني ومن يتجنى علي: إنه لولا الإيمان باليوم الآخر لكان لنا معه شأن آخر.
إيمان المؤمن باليوم الآخر يجعله إذا ظلم ينتظر أن ينصفه الله في الآخرة، وينتظر ثواب الله عز وجل، فيعزيه ذلك على ما يلقاه من الآلام، أما إن كان لا يؤمن باليوم الآخر فإنه يتغير مسلكه تماماً، كما يفعل هؤلاء الملاحدة والمجرمون من الكافرين الذين لا يحرمون حراماً ولا يحلون حلالاً، وإنما يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، هذه ثمرة الإلحاد وثمرة الكفر، وثمرة العقيدة الفاشلة، فلذلك قال عز وجل هنا:((وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ))، فبالتالي لم يخافوا عقاباً ولم يرجوا ثواباً.