للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رفع العذاب عن أهل مكة لوجود النبي صلى الله عليه وسلم]

ومن كرامته على ربه صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:٣٣]، ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) لأن المشركين قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال:٣٢] لم يقولوا: فاهدنا إليه، لكن لجهلهم وجرأتهم قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:٣٢]، يقول الله سبحانه وتعالى: كيف أستجيب لهم وأنزل عليهم العذاب وأنت موجود معهم في مكة؟! لا يمكن أن أنزل العذاب وأنت فيهم؛ إكراماً للنبي عليه الصلاة والسلام، فإن وجوده فيهم أمان لهم من الهلكة، فمعنى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)) أي: ما دمت بمكة، فلما خرج النبي صلى الله علية وسلم من مكة وبقي فيها من بقي من المؤمنين نزل قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)) يعني: وفيهم مؤمنون يخفون إيمانهم ويستغفرون الله، فوجود المؤمنين الذين يستغفرون الله حائل ومانع من نزول العذاب عليهم، وهذا مثل قوله تعالى كما سيأتي في سورة الفتح: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح:٢٥]، فلما هاجر المؤمنون نزلت: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٤].

ومما يبين شرف مقام النبي صلى الله عليه آله وسلم قوله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:٤].

إذاً: لابد أن من تأمل القرآن العظيم يدرك كيف رفع الله ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:٤] بالوحي سواء في القرآن أو في السنة من النصوص التي تدل على رفعة مقامه، كما قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:٤٣] ثم قال بعدها: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني: هذا الوحي فيه بيان ورفع ذكرك وتشريفك وبيان مقامك العظيم.