قوله تعالى:((هم الذين كفروا)) إشارة إلى أن كف الله الأيدي عنهم لم يكن لأمر فيهم؛ لأنهم كفروا وصدوا المسلمين عن المسجد الحرام، وهذا يقتضي قتالهم، فلا يقع ظن لأحد أن الفريقين اتفقوا ولم يبق بينهم اختلاف أو اصطلحوا ولم يبق بينهم نزاع، فالاختلاف باق مع كف أيدي الفريقين بعضهم عن بعض، فهم ما زالوا كافرين، فالاختلاف باق، والنزاع مستمر؛ لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوا الهدي فازدادوا كفراً وعداوة، والسبب والعلة في الكف ليس لأنهم زال عنهم وصف الكفر، ولكن لعلة أخرى وهي:((ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)) هذه كانت حكمة الكف، كف الله الفريقين عن القتال؛ كي لا يقتل المؤمنون الذين يخفون إيمانهم بمكة إذا أخرجوا معهم مضطرين، فهذه هي العلة، وليست العلة زوال وصف الكفر عنهم، بل الاختلاف بينكم وبينهم باق، وهم يستحقون أن يقاتلوا وأن يؤدبوا، ولكن سبب الكف هو ما ذكره الله في قوله تبارك وتعالى:{وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
قوله تعالى:((ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)) أي: موجودون بمكة مع الكفار، ((لم تعلموهم)) يعني: لم تعلموهم بصفة الإيمان وهم بمكة، حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم.
((أن تطئوهم)) أي: أن تقتلوهم مع الكفار، لو أن الله سبحانه وتعالى قدر لكم أن تقتلوهم في تلك الغزوة -غزوة الحديبية- وتفتحوا مكة؛ لقتل المؤمنون المذكورون.
قال بعض المفسرين:((أن تطئوهم)) يجوز أن تكون بدلاً من رجال ونساء غير معلومين، ويجوز أن يكون بدل المفعول ((لم تعلموهم))، فالتقدير على الأول: ولولا وطء رجال ونساء غير معلومين، وتقدير الثاني: لم تعلموا وطأهم، والخبر محذوف تقديره: ولولا رجال ونساء موجودون أو بالحضرة.