قال تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[التوبة:٤٣]، لم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف حين اعتلوا بعللهم؟! (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين)، هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم بالقعود؛ لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزوة، ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال:{لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}[التوبة:٤٤]، (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله)؛ لأنهم يؤمنون بالله، فالإيمان يمنعهم من مخالفة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالخروج مع وجود القدرة، فالمؤمن إذا وجد في قلبه الإيمان والقدرة لا يتخلف عن الطاعة.
(لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله)؛ لأن الإيمان بالله يمنع عن التخلف مع القدرة.
(واليوم الآخر): لأن الشخص الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يمنعه ذلك من ترك استبدال الثواب والحياة الأبدية إذا أغروه بعرض من الدنيا قليل.
(أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم)؛ لأنهم يعتبرون الجهاد بها قربة، ويضحون بها في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فيبذلونها في سبيله.
(والله عليم بالمتقين) أي: فيعطيهم من الأجر ما يناسب تقواهم، ففيه شهادة لهم بالانتظام في زمرة الأتقياء، ووعده لهم بأجزل الثواب.
((إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)) أي: إنما يستأذنك في ترك الجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله: الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، إذ لا يرجون ثوابه، وهم المنافقون، ولذا قال تعالى:(وارتابت قلوبهم)، فيما تدعوهم إليه، ورسخ فيها الريب والشك، (فهم في ريبهم يترددون) أي: ليست لهم قدم ثابتة في شيء، فهم قوم حيارى هلكى، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.