من مظاهر نعمة الله على نبيه ما جاء في قوله تعالى:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى:٣]، وقد روي في السيرة ما يشهد لهذا المعنى، ويثبت دوام موالاة الله سبحانه وتعالى لحبيبه، وعنايته به صلى الله عليه وسلم، وحفظه له، فقد كان يكلؤه عمه، وقال له في ذلك: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فسخر له عمه مع عدم موافقته له على الإيمان والإسلام، لكن بما في قلبه من المحبة الطبيعية وليست المحبة الشرعية التي اقتضت مناصرته والدفاع عنه.
ومن ذلك أيضاً ما نصره به من أصحابه خاصة أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كما فعل الهجرة وهما في طريقهما، حيث كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه تارة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يلبث أن يمشي خلفه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:(أذكر الرصد -العدو الذي يأتي من الأمام- فأكون أمامك، وأذكر الطلب -العدو حين يأتي من خلف- فأكون وراءك).
ومن هذه النعم قول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:٦٧] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة، وصناديدها وحسادها، ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغض، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، لما يخلقه الله سبحانه وتعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبين كفار قريش -بين أبي طالب وبين كفار قريش- قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذىً يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم (المدينة) فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، فلما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواءً لذلك الداء، ولما سم اليهود ذراع تلك الشاه بخيبر أعلمه الله به وحماه منه، ولهذا أسباب كثيرة جداً يطول ذكرها.