إن هذه السورة كلها أصل في النهي عن موالاة الكفار، فضلاً عما أشرنا إليه وما لم نشر إليه من الآيات؛ لأن قضية موالاة الكفار تحتل في الإسلام المرتبة الثانية من حيث كثرة الأدلة عليها بعد قضية التوحيد، فما عرفت قضية تكثر أدلتها بعد قضية التوحيد مثل قضية الولاء والبراء، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، بل إنها في الحقيقة من حقوق التوحيد، ولذلك فإن أي خلل في قضية الولاء والبراء فأمره خطير، قال الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال:٧٣].
فإذا ذاب هذا الحاجز النفسي بين المؤمنين والكافرين ترتب على ذلك اختلاط الأمور على الناس، فمثلاً: ياسر عرفات زوجته نصرانية، وأعلنت أنها ترغب في أن تدخل في الإسلام، فقال لها: لا داعي لذلك؛ فإن هذه الأديان كلها شيء واحد! والله المستعان.
فانظر إلى الخلل في الولاء والبراء، فإنه أوصل إلى تسوية الإسلام بالكفر وصدور هذا التصرف الخطير، هذا أنموذج عملي واحد وإلا فكل ما نحن فيه من خلل واختلال في أحوالنا وأمورنا هو بسبب الاختلال في قضية الولاء والبراء، ولذلك تجد الآن من يحملون أسماء المسلمين وهم أشد عداوة للإسلام وأهله من أبي جهل وأبي لهب؛ بسبب الخلل في قضية الولاء والبراء، فإذا أردت أن تفتش عن سبب هذا الفساد فاقرأ قوله تعالى:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال:٧٣] أي: فتنة الناس في دينهم؛ لأنه حينئذ يتلاشى الخط الفاصل بين الكفر والإيمان، بين النور الظلام، بين الهدى والضلال.
وكان ينبغي أن نقف وقفة طويلة عند قضية الولاء والبراء، لكن الوقت يضغط علينا، فإننا نريد أن ننجز ما نحن فيه بقدر المستطاع، وسوف نقف عند هذا الأمر المهم ونعطيه أو نوفيه حقه لاحقاً إن شاء الله تعالى.
وقد قبل الله سبحانه وتعالى عذر حاطب لما قام في ظنه من كون ذلك ليس بكبيرة وإن أخطأ، والمجتهد المخطئ معذور، وقد تبين خطؤه بصريح النهي عن معاودة مثله، ولأجله نزلت السورة، فقد كان متأولاً في أن هذا جائز، وقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام بأي حال من الأحوال سوف ينصره الله على هؤلاء المشركين، فأنا أسدي إليهم هذا الجميل حتى يدفعوا عن أقاربي في مكة.
وقد أخطأ في هذا الاجتهاد، لكن قلبه عامر بالإيمان، ومحب لله ولرسوله، وموال للمؤمنين، ولذلك ذكر أن حاطباً لما سمع صدر السورة:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)) غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان، أي: أنه سر جداً بأن الله ما زال يخاطبه بوصف الإيمان.