[تفسير الرسول لاسم الله (الأول)]
خير ما يفسر به هذا الاسم والأسماء الثلاثة التي تليه هو تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بالله عز وجل، والمعروف أنه إذا صح في تفسير الآية حديث وجب المصير إليه، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شي، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر) رواه مسلم.
فالله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء من الموجودات، فهو المتقدم على كل شيء، فلم يكن معه شيء، كما جاء ذلك في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض).
وقال الطحاوي في عقيدته: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء).
وشرحه ابن أبي العز فقال: فقول الشيخ: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء) هو معنى اسميه الأول والآخر، والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطر، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته، قطعاً للتسلسل.
يعني: لا بد أن نقول: هناك خالق أول لا ابتداء له، لأننا لو قلنا عقلاً: إنها ترجع إلى خالق، والخالق يرجع إلى خالق خلقه -والعياذ بالله- والخالق الثاني يرجع إلى خالق وهكذا، فإن هذا لن يقف عند حد، بل هذا سيقتضي التسلسل، والتسلسل ممتنع، فلذلك نقول: إن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته، وهو الذي يوجد غيره ولا يوجده أحد.
قال: قطعاً للتسلسل؛ فإنا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن، وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، فهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة.
فالله سبحانه وتعالى عندما يحدث هذه التغييرات والتقلبات ما بين حر شديد وبرد شديد غيرهما، فإن على الناس أن يتفكروا ويعقلوا أن هذه المحدثات لا بد لها من محدث يغير فيها بقدرته وحكمته، وهو الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يحدث هذه التغييرات، حتى نلتفت إلى قدرة الله، وإلى وجود الله سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي يغير هذه الأشياء شيئاً بعد شيء كما يشاء عز وجل.
فيقول: وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة، فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت، فعدمها ينفي وجودها، ووجودها ينفي امتناعها.
أي: عدمها ينفي وجودها، فكونها يلحقها العدم معناه أنها ليست واجبة الوجود؛ لأن واجب الوجود لذاته لا يمكن أن يلحقه عدم، فكون هذه المخلوقات يقع عليها العدم هذا ينفي وجودها، ووجودها ينفي امتناعها، ويثبت أنها غير مستحيلة؛ لأن المستحيل لا يوجد.
قال: وما كان قابلاً للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه، كما قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥].
ونفس هذا الكلام الذي قلناه هو موجود في هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥]، أي: هل خلقوا من عدم، أم خلقوا أنفسهم؟! فوجود هذه الأشياء ينفي كونها ممتنعة، وعدمها ينفي كونها موجودة لذاتها، فليس الواجب لذاته إلا لله سبحانه وتعالى.
وقوله هنا: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥]، معناه: هل أحدثوا من غير محدث، أم هم أحدثوا أنفسهم؟! ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم، بل إن حصل ما يوجده وإلا كان معدوماً، وكل ما أمكن وجوده بدلاً عن عدمه، وعدمه بدلاً عن وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.