(وإذ قال إبراهيم) قال القاضي: أي: اذكر وقت قوله هذا؛ ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالدليل، يعني: هم يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف:٢٢] ولو كان هؤلاء الكفار من العرب أو مشركي قريش عقلاء، وكان لابد من تقليد، فليقلدوا أباهم إبراهيم؛ فإن أشرف آبائهم هو إبراهيم عليه السلام.
(إنني براء مما تعبدون) أي: بريء من عبادتكم، أو من معبودكم.
و (براء) هي القراءة العامة، وهو مصدر كالطلاق والعتاق، أريد به معنى الوصف مبالغة؛ لأن المصدر إذا استعمل في الصفة يكون فيه مبالغة، فإذا قلت: رجل عدل، أي: أنه هو نفس العدل، وقد تقدم بيان هذا مراراً، فلذلك أطلق على الواحد وغيره.
وقوله:((إلا الذي فطرني فإنه سيهدين)) هذا استثناء منقطع، أو متصل على أن (ما) في قوله: (إنني براء مما) يعم أولي العلم وغيرهم، وأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام، أو (إلا) بمعنى غير فتكون صفة لـ (ما) أي: إنني بريء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني أي: خلقني.
((فإنه سيهدين)) أي: للدين الحق واتباع سبيل الرشد، والسين إما للتأكيد، بدليل أن نفس الآية جاءت في نفس القصة جاءت في سورة الشعراء بدون سين:(يهدين) فهي للتأكيد، والمضارع في الموضعين للاستمرار، أي: استمرار هذه الهداية.
أو أن السين للتسويف والاستقبال، والمراد هداية زائدة على ما كان له أولاً، فيتغاير ما في الآيتين من المحكي بناءً على تكرر قصته عليه السلام.