ثم بين عز وجل وعيد المكذبين بقوله:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:١٤٧].
((والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة)) يعني: القيامة، وهي الكرة الثانية، وسميت آخرة لتأخرها عن الدنيا، و (الآخرة) صفة لمحذوف، ولقاء الدار الآخرة.
وقوله:((حبطت أعمالهم)) أي: بطلت فلم تعقب نفعاً، والمراد: حبط جزاء أعمالهم؛ لأن الحابط إنما يصح في المنتظر دون ما تقضى، وهذا كقوله:{لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}[الزلزلة:٦]، يعني: يروا ثواب أعمالهم.
((هل يجزون إلا ما كانوا يعملون)) أي: إلا جزاء عملهم من الكفر والمعاصي.
وذهب بعضهم إلى أن قوله تعالى:((سأصرف عن آياتي)) إلى آخره كلام مع قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متصل بما سبق من قصصهم، وهو {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ}[الأعراف:١٠٠] إلى آخره، وإيراد قصة موسى وفرعون إنما هو للاعتبار، وإلا فالسياق أصلاً مع الكفار من قوم الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال الكعبي وأبو مسلم الأصبهاني: إن هذا الكلام كلام لما وعد الله موسى عليه السلام به من إهلاك أعدائه، ومعنى صرفهم: إهلاكهم، فلا يقدرون على منع موسى من تبليغها، ولا عن منع المؤمنين من الإيمان بها، وهو شبيه بقوله:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:٦٧]، فأراد تعالى أن يمنع أعداء موسى عليه السلام من إيذائه ومنعه من القيام بما يلزمه في تبليغ النبوة والرسالة.