[تفسير قوله تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)]
تبارك وتعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢].
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قد قدمنا الكلام على هذه الآية الكريمة ونحوها من الآيات الدالة على أن العمل سبب لدخول الجنة، كقوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣].
وقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم:٦٣].
وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].
وهذه من الإحالات الكثيرة التي يتميز بها كتاب (أضواء البيان)، وكتاب (أضواء البيان) أهم شيء فيه هذه الإحالات، وأول الطبعات التي طبعت في حياة الشيخ رحمه الله لم يحصل فيها إثبات لهذه الإحالات أو فهرسة كافية لها.
وقد أحسن بعض الإخوة الأفاضل حين ألف كتاب (التبيان لمواضع الإحالات في أضواء البيان)، وهو كتاب لابد منه لمن يتعامل مع أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن؛ لأنه في كل موضع فيه إحالة يكتب نفس اسم السورة ومواضع الآيات كما هي هنا، مثل قوله: وقد قدمنا الكلام عن هذه الآية الكريمة، فيكتب المواضع التي سبق الكلام فيها بالنسبة لهذه الآيات الكريمة.
إلا أن المؤسف أن بعض الناس لما شرعوا في طباعة الكتاب عدة طبعات كان المفروض للذين يعملون طبعة أن يعملوا فيها جهداً جديداً، وليس مجرد أنه يسرق جهد الآخرين، فلا أحد حتى الآن نعرف أنه خدم الكتاب كما ينبغي، خاصة بالنسبة لقضية الإحالات التي يكون القارئ أحوج ما يكون إليها، فموضوع الإحالات لأضواء البيان مهمة؛ فمثلاً: أنا أنفقت وقتاً كثيراً جداً في محاولة الوصول إلى هذه المواضع؛ لأن المذهب الذي رجحه العلامة الشنقيطي هنا مذهب قويم؛ حيث بين وجه الجمع بين تلك الآيات التي فيها إثبات دخول الجنة بالأعمال، وبين الأحاديث التي فيها: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله)، فهو جمع حسن وقريب، كما سنبين إن شاء الله تعالى، فرجعت حتى إلى كتاب الفهارس، والأخ أثبت أن فيه إحالة، لكن يبدو أنه مثلي أعياه الوصول إلى هذه الإحالة، فبحثت عن جميع المظان التي يمكن أن يكون الشيخ أشار إليها هنا في حدود علمي، فما استطعت الوصول إليها فيما سبق من أضواء البيان، لا هذه الآية التي هي آية الأعراف، ولا التي تليها التي هي في سورة مريم، فالله أعلم أين تكلم الشيخ على ذلك، ويحتمل أنه كان يقوله في الدروس وليس في الكتاب، وعلى أي الأحوال هذه فائدة عابرة: أنه لابد لمن يتعامل مع أضواء البيان من وجود كتاب الإحالات (التبيان لمواضع الإحالات من أضواء البيان).
المهم أن الشيخ يقول: قد تم الكلام على الجمع بين هذه الأدلة التي تثبت أن الأعمال سبب لدخول الجنة، وبيَّنا أقرب أوجه الجمع بين هذه الآيات الكريمة وما بمعناها مع قوله عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
ومن أوجه الجمع بين الآيات والحديث: أن الباء باء السببية، وليست باء المقابلة، فقولك: اشتريت منك هذا الثوب بعشرين جنيهاً فمعناه: أن الثوب يساوي العشرين جنيهاً، فهذه باء مقابلة، لكن الباء في الحديث سببية، أي: أن العمل مجرد سبب في دخول الجنة.
وشيخ الإسلام له رسالة مستقلة في هذا الموضوع، وكذا الإمام النووي فقد بحثه في شرح صحيح مسلم.
وبعض العلماء قالوا: إن دخول الجنة برحمة الله، أما تفاوت الدرجات في داخل الجنة فهذا بالأعمال الصالحة، لكن العلامة الشنقيطي هنا يقول: إن أقرب أوجه الجمع بين هذه الآيات الكريمة وبين الحديث الشريف: أن العمل الذي بينت الآيات كونه سبب دخول الجنة هو العمل الذي تقبله الله برحمة منه وفضل.
فالعمل الذي يكون سبب دخول الجنة ليس كل عمل، وإنما هو العمل الذي يتقبله الله سبحانه وتعالى برحمة منه وفضل، وأما العمل الذي لا يدخل الجنة فهو الذي لم يتقبله الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]، فإذا تقبله الله فهذا هو الذي يكون سبباً في دخول الجنة، وأما ما لم يتقبله الله فإنه لا يكون سبباً في دخول الجنة.