اختلف المفسرون في معنى كلمة (ويل) فقال الشوكاني: الويل مرتفع على الابتداء، أي: أنها مبتدأ، وهي أصلاً نكرة لمفعول، لكن ساغ أن يبتدأ بها لأنها بمعنى الدعاء، وخبر (ويل): (لكل همزة لمزة) والمعنى: خزي، أو عذاب، أو هلكة، أو واد في جهنم (لكل همزة لمزة).
وقال الطبري:(الويل هو الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم).
وقيل: هي كلمة عذاب وهلاك، وقد وردت هذه الكلمة أيضاً في قوله تعالى في سورة الجاثية:{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}[الجاثية:٧].
ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حق أصحاب الجنة التي أصبحت كالصريم، أنهم قالوا عند رؤيتهم إياها:{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}[القلم:٣١]؛ فكلمة (ويل) كلمة تقال عند نزول المصائب، وعند التقبيح؛ فنقول:(ويل لك) إذا أردت أن تقبح الشخص، وكذلك عند نزول المصيبة الشديدة يقول:{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:١٤].
وقال الفخر الرازي:(أصل الويل: لفظ السخط والذم، وأصلها: (وي لفلان) يعني: ويل، ثم لما كثرت في كلام العرب وصلت باللام، فأصبحت (ويل) ويقال: ويحك للترحم لكن هذه للتوبيخ)، ومما يدل لهذا القول الذي حكاه الرازي قوله عز وجل حاكياً في قصة قارون:{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[القصص:٨٢]؛ ومثله أيضاً ما قد يستخدم في التعجب كما في قوله عز وجل:{قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}[هود:٧٢]؛ وقوله:{قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي}[المائدة:٣١] فالظاهر أن (يا ويلتا) كلمة تقال عند الشدة والهلكة، أو عند شدة التعجب مما يشبه الأمر المستبعد، والذي يشهد له القرآن هو هذا المعنى.
وسبب الخلاف في ذلك راجع لمجيئها تارةً مطلقة؛ كقوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:١٩]، وها هنا أيضاً تنزل:(ويل لكل همزة لمزة) وتجيء أيضاً مع ذكر ما يتوعد به؛ كقوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص:٢٧]، وقوله عز وجل:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[الزخرف:٦٥]، يعني: ويل لهم من عذاب يوم أليم، فذكر النار والعذاب الأليم مع كلمة الويل، لكن في هاتين الآيتين:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وهذه السورة: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}، لم يبين هل هي من النار أو غيرها، وكذلك قوله عز وجل:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[مريم:٣٧]، فهي في هذا كله في سياق الوعيد الشديد مما ذكر معها من النار والعذاب الأليم، ومشهد اليوم العظيم، وليست مقصودة بذاتها دون ما ذكر معها.
فالمقصود: أنها كلمة تدل على الهلكة وعلى الوعيد الشديد.