[تفسير قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)]
قال تبارك وتعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:١٠٢].
قوله: ((وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ)) يعني: إذا كنت يا محمد حاضراً فيهم، وأنتم تخافون العدو.
((فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ)) يعني: فأقمت لهم صلاة الخوف، وهذا جرى على عادة القرآن في الخطاب، فلا مفهوم له، أي: ليس حضوره صلى الله عليه وسلم شرطاً لإقامة صلاة الخوف كما سنبين إن شاء الله تعالى عما قريب.
وبعض الناس يقولون: إنه لا تصلى صلاة الخوف إلا في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ((وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ))، فإذا لم يكن فهم بعد موته عليه الصلاة والسلام، ألا يصلي الإمام الناس؟ بلى يصلي، وهذا نفس الاستدلال الذي استدل به بعض مانعي الزكاة في تأويلهم الفاسد لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣]، قالوا: هذا فقط في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إذا مات الرسول عليه الصلاة والسلام فنحن لا ندفع لغيره؛ لأن الأمر إنما هو إلى الرسول بنفسه، وسيأتي الرد على ذلك إن شاء الله.
((فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)) يعني: طائفة تقوم معك وطائفة تتأخر.
((وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ)) يعني: هؤلاء الذين يصلون معك يأخذون أسلحتهم معهم في الصلاة.
والمقصود بالأسلحة هنا: الأسلحة التي لا تتعارض مع الصلاة، كالأسلحة الخفيفة التي يسهل حملها أثناء الصلاة دونما مشقة تعيق عن أداء الصلاة.
((فَإِذَا سَجَدُوا)) سجدوا هنا بمعنى: صلوا.
((فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ))، يعني: تكون الطائفة الأخرى من ورائكم، يحرسونكم إلى أن تقضوا الصلاة، ثم تذهب هذه الطائفة لتحرس.
((وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)) أي: معهم إلى أن تقضوا الصلاة، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ببطن نخل كما رواه الشيخان.
في هذه الآيات بالذات كما جاء في كتب التفسير أن الصحابة كانوا متحركين في جهة القبلة، والأعداء كانوا في الجهة المقابلة، فكيف تكون صفة هذه الصلاة وهم بهذا الاتجاه؟ يقف صف يصلي وهو مستقبل القبلة مع النبي عليه الصلاة والسلام، والصف الآخر يقف وراءه يحرسهم، وهو معنى قوله: ((فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ)) وسيأتي بيان تفصيل صلاة الخوف في الأحاديث.
((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ))، يعني: تمنوا لو تغفلون عن الأسلحة حال قيامكم إلى الصلاة.
((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً))، يعني: بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم، هنا تعليل بالأمر لهؤلاء الذين يصلون بأن يأخذوا معهم الأسلحة.