[أثر مقاطعة المسلمين لمنتجات من حارب الإسلام والمسلمين]
نعود إلى ما تبقى من الكلام عن الفرق بين التعصب والتسامح، وقد ذكرنا أن التسامح هو أن تعامل الكافر بالعدل والإنصاف، وتعاشره بالمجاملة والألطاف، وأن تحسن جيرته إن كان جاراً لك، وأن تصله إن كان من قرابتك، غير أنك لا تعطيه من زكاة مالك، ولا من زكاة فطرك؛ لأنهما خاصتان بفقراء المسلمين، ولا بأس أيضاً بجريان بعض المعاملات الدنيوية بينك وبينه كالقرض أو نحوه مما لا تعلق له بالدين، وشرط هذا كله ألا يكون محارباً.
فلو كانت هناك شركات اقتصادية يهودية أو أمريكية مثلاً ممن يحاربون الإسلام والمسلمين، ويؤيدون اليهود، فيمكن مقاطعتها إضعافاً لاقتصادها، فيستطيع كل مسلم أن يستغني عن البيبسي والكوكاكولا وغيرها من الأشياء التابعة للأمريكان.
وقد أعلنت بعض الشركات إعلاناً تصرخ فيه من مقاطعة المسلمين لمنتجاتها، وذلك في جريدة (الأهرام)؛ تقول فيه: إن أكثر من ١٥٠٠ عامل فقدوا عملهم بسبب المقاطعة.
وهذا التصرف كان فردياً، لكنه أثر عليهم لدرجة أن شركة أمريكية عملت إعلاناً تقول فيه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:٣٩] ويسردون الآيات، ويقولون بأنهم تبرعوا بـ (١٠%) تقريباً لإخواننا الفلسطينيين في فلسطين من ضحايا هذه المجازر، والسبب أن المسلمين حصل منهم مقاطعة أثرت على اقتصادهم، فإذا كان مجرد الإعراض عن هذا الاقتصاد له هذا الأثر الكبير، فكيف لو أن الجماعة الأشاوس أصحاب البترول قطعوا عنهم البترول؟! أليس كل مرة يقولون: سنقاتل حتى آخر جندي مصري، فليأتوا هذه المرة وليعملوا كما عمل الملك فيصل يرحمه الله، فالملك فيصل في حرب رمضان قال للأمريكان: لا يوجد بترول، فركع الغرب أمامه، وقال لهم: سنرجع مرة أخرى إلى حياة البدو، ولا توجد أي مشكلة في أن نعيش في الصحراء والخيام، ونرجع للفقر، وأبى رحمه الله، فهلا يأتسون به؟ فهم يملكون أسلحة في غاية القوة، فنرجو أن يهديهم الله.
فكما قلنا: لا بأس بجريان بعض المعاملات الدنيوية مع الكافر من قرض أو رهن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على صاع من شعير، فكل ما لا تعلق له بالدين فلا بأس من التعامل مع الكافر فيه بشرط ألا يكون محارباً.
ومع حسن المعاملة والبر والإحسان للكافر، فيجب عليك أن تعتقد اعتقاداً جازماً لا تردد فيه أنه على باطل، وأنه إن مات كافراً فلا يجوز الترحم عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} [الفرقان:٢٣] أي: في الخير من بر أو صلة رحم ونحو ذلك: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣] فلا ثواب له في الآخرة.
إذاً: لا يوجد من الكفار ولي أو قدّيس كما يقولون؛ لأن الولاية أو القداسة هي في العمل الصالح المقبول، وأعمال هؤلاء غير مقبولة، بل مردودة؛ لأن دينهم مخالف للإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥]، وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).
فمن جوز وجود ولي منهم، أو تبرك بأحد قديسيهم فقد تخلى عن عقيدته ودينه، إذ التساهل في شيء من العقيدة لا يكون تسامحاً كما يظن المخلِّطون الواهمون، لكنه تنازل عن العقيدة يلزم منه الخروج من الدين؛ لأن الدين مبني على العقيدة، فإذا فُقدت العقيدة فقد الدين، فينبغي عدم إقرار الكافر على كفره، وعدم الرضا به، وبغضه لبغض الله تعالى له، وعدم موالاته ومودته {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:٢٨] وعدم التشبه به، وعدم إنكاحه المؤمنة، وعدم بداءته بالسلام، وأن يضطر إلى أضيق الطريق، فهذا كله من الدين وليس من التعصب في شيء، والتفريط فيه ليس تسامحاً، ولكنه تنازل عن حدود الله عز وجل! فالعبارات التي نسمعها والناس يرددونها حتى لا يكاد يشك فيها أحد كقولهم: إن الإسلام يحترم الأديان! عبارت باطلة، فكيف يحترم الإسلام الأديان التي جاء لهدمها والقضاء عليها؟! فعجيب أن يسمى هذا تسامحاً، إن التسامح لا يكون إلا في منطقة التعامل فقط.
حدثني أحد الإخوة بالأمس أنه رأى أحد الدعاة ظهر في قناة تلفزيونية، وهو داعية مشهور جداً من خارج مصر، فظهر يتناقش مع المذيعة، وهي متبرجة، فتناقشه وهو آخذ موقف الدفاع، ويحامي عن الإسلام في قفص الاتهام، والمذيعة تقول له: أنتم تقولون عنا إننا كفار؟ وتقولون عن النصارى إنهم كفار؟ فرد عليها رداً متميعاً جداً من ذلك الكلام الذي تعودنا أن نسمعه، ولو أنه رد عليها وقال لها: نعم، نحن نعتقد أنكم كفار، لكن لا نبخسكم حقوقكم التي أعطاكم إياها الشارع الشريف، وأنتم الذين تقولون علينا كفار، لاعتقادكم أنني إذا لم أؤمن بالمخلص فأنا كافر، وهكذا في كل ملة من الملل، واليهود ألا يقولون: إننا لسنا على شيء، ومعلوم أن عقيدتهم باطلة؛ لكن أقول: لسنا نحن فقط الذين يعتقدون هذا.
فمن لازم إسلامي وإيماني أن كل ما خالف الإسلام من الأديان فهو دين باطل، فليس من التسامح تمييع الدين بهذه الطريقة، ولا علاقة لذلك على الإطلاق بالتسامح، بدليل أن هذا الذي يقول: إن الإسلام يحترم الأديان، فإن أصغر طفل يأتي له بآيات من القرآن تفحمه وتسكته، وتبين أنه ينافق، ويداهن، ويزور، فعندما يقال له: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]، ويقال له: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، ويقال له: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩] ماذا سيقول إزاء هذه الآيات؟ هل سيقول: نسخت؟ وبماذا نسخت؟ فأي إنسان مزور ومداهن يفتضح في النهاية، فالعقيدة لا تنازل عنها، والتمسك بالعقيدة ليس تعصباً، إنما يكون التعصب في المعاملة بإضاعة الحقوق ونحو ذلك.