[تفسير قوله تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم)]
يقول تبارك وتعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠].
قوله: ((يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)) يعني: يأخذها بسرعة، وضوء البرق أضعاف ضوء الشمس؛ لأن ضوء البرق القاذف الذي نراه قوي جداً، ولو استدام قليلاً لربما أثر على بصر الإنسان.
قوله: ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) يعني: مشوا في ضوء هذا البرق.
قوله: ((وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)) يعني: وقفوا أو جمدوا مكانهم بلا حراك، كما تقول: قام الماء إذا جمد وسكن، كذلك تقول: قامت السوق، يعني: كسدت وركدت.
إذاً: الله تبارك وتعالى يبين أن ما في القرآن من الأمثلة يزعج قلوب هؤلاء المنافقين، فهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين، وبيان ما هم فيه من التحير والجهل بما يأتون وبما يذرون، إذا أضاء لهم البرق مشوا مع خوفهم من أن يخطف هذا البرق أبصارهم؛ لكنهم أيضاً يريدون أن يستفيدوا من هذه الإضاءة التي تحصل من البرق.
إذاً: إذا ظهر البرق فهم بين أمرين: الأول: يخافون منه أن يخطف أبصارهم لشدة قوته.
الثاني: يريدون أن ينتفعوا بهذا الضوء؛ لأنهم واقفون في ظلمات.
قوله: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)) أي: لو شاء الله في قصف الرعد أصمهم، أو في ضوء البرق أعماهم.
يقول السيوطي: قوله تعالى: (وإذا أظلم عليهم قاموا) وقفوا، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم، وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون، ووقوفهم عما يكرهون.
يعني: هذا هو حال المنافقين إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجج والبراهين فهذه الحجج تزعج قلوبهم، وهي المشار إليها في آيات القرآن بالبرق، فهذا البرق يزعج قلوبهم فهم إذا سمعوا فيه الوعيد والتهديد على عاقبة الكفر والكفرة والمنافقين خافوا، وإذا سمعوا فيه أشياء يحبونها فإنهم يصدقون بها ويأنسون بها ويريدون أن يستفيدوا منها، أما إذا أتاهم ما يكرهون فإنهم يقفون عما يكرهون، بمعنى: أنهم يعبدون الله على حرف، كحال من وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج:١١] يريد أن يعبد الله على جانب واحد فقط وهو جانب الخير.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} [الحج:١١]، قال: هذا دين حسن، أصبنا فيه خيراً من كثرة الأموال والصحة ونتاج الخيل والإبل إلى غير ذلك من متاع الدنيا.
((وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ)) أي: اختبار وابتلاء.
((انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ)) أي: انقلب على عقبه.
{خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].
فإذا ابتلي في صحته بمرض أو في ماله بفقر أو بأي مصيبة في الدنيا تراه ينقلب على عقبيه ويقول: هذا دين سوء ما رأينا فيه خيراً، ويتطير ويتشاءم من هذا الدين والعياذ بالله، فهذا حال هؤلاء المنافقين.
قوله: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)) يعني: ولو شاء الله لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بالباطنة، فكما طمس بصائرهم وختم على قلوبهم وأعمى قلوبهم عن رؤية الحق، كذلك أيضاً يمكن أن يفسد عليهم حواسهم الظاهرة، كما أفسد عليهم حواسهم الباطنة.
قوله: ((إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يعني: إن الله على كل شيء شاءه سبحانه وتعالى قدير، ومنه إذهاب ما ذكر من هذه الحواس.