للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تعارض بين صفتي: الاستواء والمعية]

يقول الله تبارك وتعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ))، هذا يدل على أنه مستو على عرشه، عالٍ على جميع خلقه، وقوله تعالى: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ))، يوهم خلاف ذلك.

والجواب عن هذا: أنه تعالى مستو على العرش كما قال بلا كيف ولا تشبيه، استواءً لائقاً بكماله وجلاله، فهو مع جميعهم بالإحاطة الكاملة والعلم التام، ونفوذ القدرة؛ سبحانه وتعالى علواً كبيراً، فلا منافاة بين علوه على عرشه ومعيته لجميع الخلائق.

ألا ترى -ولله المثل الأعلى- أن أحدنا لو جعل في يده حبة من خردل فحين يمسك حبة الخردل ويقبض عليها بيده، هل يكون الذي يحمل الحبة داخلاً فيها؟ لا يكون في داخلها، وليس داخلاً في شيء من أجزاء تلك الحبة، مع أنه محيط بجميع أجزائها، وأنه مع جميع أجزائها! وكذلك السماوات والأرض ومن فيهن، إن هي في إلا كحبة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى، فهو أقرب إلى الواحد منا من عنق راحلته، بل من حبل وريده مع أنه مستو على عرشه لا يخفى عليه شيء من عمل خلقه جل وعلا.