[بشارات نبوية بالتمكين لهذا الدين]
روى مسلم بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:٩] أن ذلك تاماً قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة تقبض كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم).
وروى مسلم أيضاً بسنده عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال- بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً) أي: أن ربنا سيحفظهم من أن يسلط عليهم عدواً يستبيح بيضتهم حتى لو اجتمع عليهم كل الناس في الأرض، وهذا الوعد مستمر حتى يبدءوا هم في انتهاك حرمات بعضهم بعضاً، فإذا تقاتل المسلمون، واستباح بعضهم حرمات بعض؛ حينئذ يزول هذا الضمان وهذا الأمان.
والمراد بالكنزين: الذهب والفضة، والمراد كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام.
وفيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب لقوله: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها) فهذا وعد من الله سبحانه وتعالى أن ملك هذه الأمة يبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وهذا هو الواقع كما نلاحظ، فإن البلاد الإسلامية الآن ممتدة الأفق في جهة الشرق والغرب، أما في جهة الجنوب والشمال فامتدادها قليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).
وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافراً منهم الذل والصغار والجزية.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، وأتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: (يا عدي بن حاتم! إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، -قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد؟ - ولتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفيه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد، قال عدي: قد رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى ولئن طالت بكم حياة سترون الثالثة)، قال البيهقي: قد وقع ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز.
وعن عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفاً، والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يطرح حتى يرجع بذلك، فيتذكر من يضعه فيه، فلا يجده، فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس رحمه الله تعالى.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا عدي! أسلم تسلم، فقلت: إني من أهل دين، قال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال: نعم، ألست من الركوسية؟ وأنت تأكل مرباع قومك؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك، قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، قال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام؟ تقول: إنما تبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد، قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده! لتكونن الثالثة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها).
وروى مسلم عن نافع بن عتبة رضي الله عنه أنه حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع كلمات أعدهن في يدي، قال: (تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله)، فقال نافع: يا جابر! لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم.