للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من خصائصه صلى الله عليه وسلم تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد]

من خصائصه صلى الله عليه وسلم: تفضيل بلديه على سائر البلاد، والدجال والطاعون لا يدخلانهما، وتفضيل مسجده على سائر المساجد ما عدا المسجد الحرام، والبقعة التي دفن فيها أفضل من سائر البقاع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة) أي: أنها تضاعف.

وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بمكة يقول: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).

بعض الناس يحاولون دائماً أن يوظفوا نصوص القرآن والسنة لإشهار باطلهم وضلالهم، يريدون تثبيت المفهوم القومي الوثني الذي ليس مفهوماً إسلامياً، وإنما هو مفهوم غربي وافد إلى بلاد المسلمين، كموضوع الأرض والتراب والوطن وتقديس الوطن، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول مخاطباً وطنه: أدير إليك قبل البيت وجهي إذا هبت رياحك بالتراب يعني: أدير إلى وطني وأستقبلك قبلة قبل أن أستقبل الكعبة! فبعض الناس يحاولون أن يلغوا دلالات الأحاديث الشامخة على لسان المعصوم عليه السلام لتبرير ضلالهم، من أمثلة ذلك: كثرة الاستدلال بهذا الحديث على قضية حب الوطن بالطريقة التي يقصدونها، وهي تصادم العقائد الإسلامية والنصوص الإسلامية، فيقولون: إن الإنسان يحب الوطن، ويعطيه أولوية على سائر الأوطان، بمجرد أنه ولد فيه مثلاً، فهذه الصورة المعروفة التي يقصدونها، وحب الوطن معروف فطرة، وحديث: (حب الوطن من الإيمان) موضوع، لكن على الأقل هو فطرة، فالإنسان يحب المكان الذي نشأ فيه، ويحب أهل بلده ووطنه الذي ولد فيهم، لكن ليس أن الوطن يتحول إلى صنم كبير يعبد في مقام صغير، فهذا بلا شك يتنافى مع أبسط مبادئ ومفاهيم الإسلام، فهؤلاء الناس الضالون الذين هم أخذوا من أوروبا وغيرها مفهوم الوطنية الوثني، والولاء للوطن، وأن الوطنية هذه حاجز بينك وبين إخوانك في العقيدة وكل بلدة تعتز بصنم وطنها؛ حتى يمزقوا المسلمين، فيستدلون بهذا الحديث ويقولون: إن الرسول عليه الصلاة السلام دلل على حب الوطن بقوله: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله)، فهل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد فيها وهي بلده أم لأنها أحب الأرض إلى الله؟ لأنها أحب البقاع إلى الله، وحتى لو كان يحبها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنها بلده ووطنه فيجب على كل مسلم أن يكون البلد الذي يحبه رسول الله أحب إليه من كل بقعة على ظهر الأرض، فالمسألة ليست متروكة للاختيار، فكل مؤمن لابد أن يستحضر في القلب أن أحب الأوطان إليه هي مكة والمدينة وبيت المقدس، فهذه أحب الأوطان إليك، حتى تكون أحب إليك من أي مكان حتى البلد الذي نشأت فيه، ولا شك في ذلك، كما يقول الشاعر: ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني فموضوع الوطنية هذه كانت مؤامرة، فالحدود السياسية صنعها أعداء الله من اليهود والنصارى، وضعها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون وغيرهم من أعداء الإسلام، فهم الذين قسموها هذا التقسيم؛ كي يحولوا بين وحدة المسلمين، وكي يسهل عليهم اقتناص أمة المسلمين واحداً بعد الواحد، وهذا حديث يطول، لكن هذه إشارة عابرة.

فتنبهوا فإن هذا الحديث يساء فهمه لتأييد الوطنية بمفهوم الوثنية، والحديث إنما يثبت فضل مكة على سائر البقاع؛ لأن مكة حرم، فهي حرم إبراهيم عليه السلام حرمها إبراهيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله)، وهذه حكمة جعلها الله في مكة، مع أنه ليس فيها جنات مثل جنات أوروبا، أو بلاد الشام مثلاً، وليس فيها الخضرة، ولا الجو اللطيف، وإنما هو الحر والصحراء، وأضف إلى ذلك خشونة سلوك أهل مكة أحياناً، فبعض الناس منهم في معاملته خشونة شديدة، حتى العوام من الجهلة يقولون لك: نحن أخرجنا النبي عليه الصلاة والسلام من هنا والعياذ بالله ثم أدخلناه، وهذا كلام لا يقوله إلا الكفار الذين فعلوا ذلك، وهؤلاء العوام لا يقصدون ذلك.

الشاهد: الذين يذهبون إلى أوروبا أو غيرها هي لأجل أنها طيبة وكذا وكذا، فتكون عوامل الجذب: حسن المعاملة، والطبيعة الجميلة، والجو الجميل، والنسيم العليل، فكل هذه تكون عوامل جذب، لكن مكة ليس فيها ما يجذب إلا كونها حرم الله سبحانه وتعالى، كما قال إبراهيم عليه السلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ} [إبراهيم:٣٧]، حتى الشخص الذي يذهب إلى هناك ليس من دافع في قلبه إلى أن يبذل المال ويفارق الأهل والأولاد ويتكلف كل هذا إلا التعظيماً لبيت الله الحرام، لا من أجل الخضرة والمناظر الطبيعية؛ ولا من أجل الجو العليل؛ لأن الجو حار وشديد، ومع ذلك هي أحب بلاد الله إلى قلب كل مؤمن، وكل مؤمن أعز شيء عليه أن يشرفه الله سبحانه وتعالى بالحج أو الاعتمار إلى بيته الحرام، حتى تكون النية خالصة لوجه الله عز وجل.

أذكر أن بعض المنصرين كانوا في إندونيسيا، وكما تعلمون أن التبشير ليس له سلاح أبداً، لا علم ولا حجة، ولا أي شيء سوى المتاجرة بمعاناة الناس، واستغلال ظروفهم، في إندونيسيا وفي كل بلاد العالم، وهؤلاء يسمونهم زوراً بالمبشرين، وإذا قلنا: مبشرين، فنعني مبشرين بالنار لمن آمن بهم، فهؤلاء اجتهدوا في التنصير مستغلين الثالوث المعروف: الفقر والجهل والمرض، وهذا هو أسلوبهم في دعوة الناس، وكما تعرفون إندونيسيا في غزو شديد من أيام الاستعمار الهولندي إلى اليوم، وهم في محاولة تنصير إندونيسيا وهي ما زالت قائمة على قدم وساق، إلى حد أنه بدأ الآن قتال طائفي في إندونيسيا، بين الإندونيسيين الذين كانوا مسلمين ثم ارتدوا، وبين المسلمين الباقين على الإسلام، في الوقت نفسه نسمع في نشرات الأخبار القتال الذي يحدث في إندونيسيا بين المسلمين والنصارى، المهم أفلحوا نتيجة الحرب والفقر الشديد أن استجاب لهم مجموعة من المسلمين تحت ضغط المرض والفقر المدقع، فدخلوا في ديانة النصرانية ظاهراً، ووافقوا القديس موافقة ظاهرية، فلما أراد القديس أن يكمل معهم طقوس الدخول في الديانة النصرانية وهيأهم للتعميد، قال لهم: لكل واحد منكم أمنية تحقق له، فما هي الأمنية التي تتمنونها وسوف نعملها لكم؟ فكلهم قالوا بصوت واحد: نحج إلى مكة! فكل مسلم يجد في قلبه حب مكة، والذي لا يجد في قلبه حب مكة ليس بمنتمٍ للإسلام، الذي يرى أنه يوجد مكان أعز عليه من مكة أو المدينة وبيت المقدس فهذا ليس منا، من لم تكن هذه الأماكن المشرفة أو البقاع المشرفة ليس لها هذه الأولوية في قلبه فليس هذا من المسلمين، فليبحث عن انتماء آخر، لكن كل مسلم يجد في قلبه مصداق دعوة الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة) وكما هو معلوم فإن على أنقابها وأبوابها حراسة من الملائكة، لا يستطيع أبداً المسيح الدجال أن يدخل مكة والمدينة، فالمدينة سيكون فيها منافقون غير صادقين في إسلامهم، فما الذي يحصل؟ تتزلزل الأرض، وتطرد المنافقين إلى الدجال في الخارج، لكن هو لا يدخل أبداً إلى مكة والمدينة.